Comment to 'من فضلكم أنقذوا الجينوم Please, save the genome'
  • شكراً أخي فتحي على التعليق والتساؤل: في الحقيقة تساؤلك ليس من السهولة بمكان. أنت تسأل عن سلوك (إيجابي – سلبي) له تأثير مباشر على الجينوم بعد التحقّق من علاقة هذا السلوك بالطفرة التي اكتسبها جينوم صاحب السلوك، ثم تتبع توارث هذه الطفرة في الجيل التالي. الموضوع أعقد بكثير مما نتصوّر ونتخيّل، وليس بهذه البساطة. فكما ذكرنا في مقالة سابقة بأن التعقيد يحد من السّببية (complexity limits causality). على حسب علمي، لم أطلع على دراسة علمية، ولا يوجد مثل هذه الدراسة التي استهدفت هذا السؤال، لأن بصراحة إجراء دراسة علمية للإجابة على السؤال الذي طرحته أنت يذهب بنا إلى تشعّبات وتحديات كثيرة ليس لها حد، ويتطلب دراسة مستقبلية لمدد زمنية طويلة جدا (prospective study). أول هذه التحديات هو ما هو السلوك الإيجابي أو السلبي الذي يقع عليه الاختيار للدراسة، بمعنى هل السلوك (إيجابي – سلبي) الذي يخضع للدراسة هو سلوك عملي أم سلوك قلبي أم سلوك أخلاقي. فالسلوك العملي مثل الرياضة، أو طريقة الأكل، أو النوم إلخ،، والسلوك القلبي مثل الحسد والحقد والبغض (سلوكيات سلبية)، أو سلوكيات قلبية إيجابية مثل (سلامة الصدر، وغيرها) أو سلوكيات أخلاقية مثل (الكذب، الصدق، النزاهة، الأمانة، الخيانة، الغضب، الحلم البخل، الكرم، الإيمان، الكفر وهكذا دواليك). ضرب هذه الأمثلة السلوكية المتنوعة غير المحددة يحد من الدراسة. فأي من هذه السلوكيات علينا اختياره واعتماده للدراسة دون النظر إلى العوامل السلوكية الأخرى. بمعنى لا يمكن أن نقوم بدراسة اختزالية تختزل كل هذه الأشياء في سلوك واحد ندرس تأثيره المنفرد المباشر على الجينوم، ونقول هو من سبب الطفرة في جينوم صاحب السلوك. حتى لو سلّمنا بعمل دراسة نوعية مثل هذه، واتفقنا على اختيار سلوك واحد وتتبع تأثيره على الجينوم، فهذا يتطلب منّا اختيار دراسة الجينوم في مرحلة مبكرة من عمر العينة التي تخضع للدراسة، ثم تتبع صاحب الجينوم المحافظ على هذا السلوك (إيجابي – سلبي) ودراسة جينومه في مدى زمني طويل كأن يكون الفرق بين دراسة الجينوم في الطفولة ثم إخضاع الجينوم نفسه بعد عمر طويل بعد التأكد من المحافظة على السلوك الخاضع للدراسة، ثم بعد ذلك يتم دراسة جينوم الأولاد أو الأحفاد ومقارنتها بجينوم الأب أو الجد (العينة الخاضعة للدراسة). واذهب أبعد من هذا ، وأقول حتى تأثير هذا السلوك (عملي، قلبي، أخلاقي، سلبيا كان أو إيجابيا) على الجينوم إذا تثبت على شخص ما،  ليس بالضرورة يكون صحيحا ويؤثر بنفس الدرجة على شخص آخر. هذا تصور بسيط لرسم خارطة مبسّطة لكيفية إجراء هكذا دراسة علمية تبحث عن تأثير السلوك في الجينوم؛ وبالتالي توارث الطفرات التي قد يتسبب فيها هذا السلوك. ثم أحب أن ألفت الانتباه هنا إلى أن العلاقة المباشرة بين سلوك الناس واختياراتهم أو تأثير البيئة المحيطة يتم من خلال نافذة أو ميكانيكية (Epigenetics/epigenomics)، ما فوق الجينوم، وهذا موضوع آخر لعلي أفرد له مقالة خاصة به. ع العموم الموضوع معقد جدا، ولعلنا نفتح فيه نقاشاً من خلال عقد ندوة على الزووم نستضيف فيه بعض الباحثين والعلماء المهتمين بهكذا مواضيع. كما لا يفوتني أن أقول بأن العوامل البيئية مثل التعرض للإشعاع الذّرّي، أو مثلا التعرض للمواد الكيماوية (من خلال الأكل، الشرب، أو حتى الاستنشاق، أو الاحتكاك وملاسمة الجلد) يكون لها تأثير مباشر على الخلايا والانسجة، وخصوصا مادة الـ DNA، بينما السلوكيات والاختيارات الحياتية بالعموم مدارها بعيد بعض الشيء عن مادة الـ DNA، وتأثيرها وتحكمها على الجينوم يكون كما قلنا من خلال نافذة ما فوق الجينوم. بصراحة الموضوع معقد جدا جدا جدا. إن شاء الله أكون اجبت ولو باقتضاب عن سؤالك أخي الحبيب. تحياتي،،

    • 💓 2