Feed Item

مر وقت ليس بالقليل ونحن في حالة الذهول والصمت ثم قال احمد هل تذكروا حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن قصة الثلاثة الذين دخلوا الكهف ثم أُغلقت الفتحة بالصخرة، تساءل هل أحد منا له قصة مشابهة يرويها، فخيم صمت على الجميع، اذ ليس لدينا قصص نرويها، "اذا لما لا نعاهد الله على الصلاح ونبتهل ونجتهد إلى الله بالدعاء للخلاص من هذا المأزق، من يدري عسى الله ان يستجيب الدعاء و يفرج الكربة"، قلت بصوت متقطع. بدأت الادعية، كل في سره، ورأيت الدموع تنهمر ممزوجة بالعرق والخوف ممزوج بالرجاء، لحظات مشبعة بالصدق والخوف، رأيت كيف يكون الدعاء مخ العبادة بل هو العبادة في رواية اخرى عنه (صلى الله عليه وسلم)، لحظات الشعور اللهم لا ملجأ منك الا اليك، لحظات الصفاء والعبودية في اجمل صورها، لحظات فارقة في عمر المرء و الجماعة.

وعلى غير موعد بدأنا نحس بشيء من النعاس التدريجي، كانت لحظات عجيبة وفسرنا الظاهرة على أنها جزء من الشعور بالتعب والارهاق وقلة النوم، والضغط النفسي الرهيب والثقيل في آن واحد، وربما كانت السكينة والطمأنينة التي يبعثها الله لعباده في لحظات التجرد الخالصة، وان كنا نعتقد اننا اقل شأنًا من ان يرسل الله علينا السكينة، سبحان الخالق، وتدريجيًا، وبدون مقدمات، بدأت تتلاشى مرحلة الخوف وتتصاعد مرحلة جديدة في وجوه الجميع فيها ابتهاج، جف العرق، ورد اللون الوردي على الوجنات، لحظة مغايرة، شيء ما قد تغير فجاة٠لاندري ما هو لكنه كان نقلة نوعية من حالة الى حالة، قلنا بصوت واحد، عسى أن يكون الله قد تقبل ابتهالنا إليه. 

 حاول يا علي تشغيل السيارة من جديد، لحظات  ثم اشتغل المحرك وبدأ علي في فك المكابح اليدوية، ويا للعجب!...وبالتدريج تحركت السيارة الى الامام، وعلى غير موعد بدأنا بالتهليل والتكبير، وتجاوزنا تلك العقبة الكأداء، وعلى قمة المنعرج القاتل، منعرج الموت، فتحنا باب السيارة وخرجنا، وعلى غير اتفاق سجدنا لله سبحانه وتعالى سجدة شكر طويلة، وفي الجو البارد بدأت أبحث في حقيبتي عن بعض ملابسي الثقيلة فوجدت كيس ورقي وبه مجموعة السندويتشات التي أعدتها والدتي (يرحمها الله) وكنت ظننت أني نسيتها في البيت، فصاح علي الجبالى (يرحمه الله) فرحا مبتهجا، "عيد وقديد!"  

تعلمت يقينا ان الحياة والتعاطي مع قدر الله هو الدافع الايجابي لمتاعب الحياة ومنعرجاتها، لا كما يدعي جون بول سارتر وجيم جيري وغيرهم من دعاة الامنتمي والوجودية تلك المناهج التي تتحدى قدرة الله سبحانه وتتجاهل عظمته سبحانه. 

* وتعلمت يقينا أن في التصور الاسلامي، قدر الله وقدرته هو الذي يرسم الاحداث والملحمات على الارض "قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" ....وكما قال سحرة فرعون في لحظة المواجهة مع فرعون، الآية " اقضي ما أنت قاض انما تقضي هذه الحياة الدنيا"، ان الاستناد الى قدرة الله وقوته هو المصباح الوضيء الذي يحتاجه المؤمن ليستنير به في دياجير الظلمات المعتمة، ودروب الحياة الشديدة التعقيد...  {ولله الأَْمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يشاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.

  • 💓 1
Comments
    • رائع دكتور علي. سبحان الله. لايستهان بقوة الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالي. مالفت انتباهي في هذه التدوينات الرائعة هي نضج صبية بنغازي في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، وإن كانت تلك العينة قد لاتمثل الجميع، لك الشكر دكتور علي على هذه المذكرات الرائعة وفي انتظار المزيد منها لتنقلنا بالذاكرة إلى بنغازي الأمس.  

      • انت محق اخي فتحي،  هذه بنغازي الامس ،عفوية ،بساطة ،ايمان ،توكل ،عبادة ، هذه لبنات نبوغ الامم  ،رغم بساطتها و لكن كان يمكن ان تكون جذور شجرة باسقه باذن الله سبحانه ،لكم تحياتي وتقديري 

        Login or Join to comment.