-
شكرا د. فتحي على اهتمامك وتعليقك على المقال. الحقيقة طرح السؤال – في تصوري مبكر جدا جدا – ولكن موضوعة الطب الشخصي شاغله بالي دائما، وابحث فيها باستمرار. وفي هذا السياق احب ان الفت انتباهك وانتباه القراء الكرام انني بصدد كتابة مقال عن التحالف الذي انفرط وانتهى مبكرا بين شركة آي بي إم (IBM)، ومركز أم دي أندرسون (MD Anderson) لأبحاث السرطان. حيث أسست IBM شركة اسمتها آي بي إم واتسون الصحية، وهي شركة فكرتها مبنية على الذكاء الاصطناعي لحل المشاكل الصحية ( IBM Watson Health: AI Healthcare Solutions)، وكان هدف التحالف بين الشركة ومركز اندرسون لابحاث السرطان هو مساعدة مركز اندرسون في تحقيق هدفه الاسمى وهو القضاء على السرطان لمرضاهم (cancer eradication)، وقد انفق مركز اندرسون اكثر من 63 مليون دولار لتحقيق هذا الهدف بالاستعانة بواطسون الصحي. لكن مركز اندرسون اوقف العقد لعدم جدوى المشروع، وعجزهم عن تحقيق الهدف. وقصة تأسيس IBM، لشركة واتسون الصحية جديرة بالاطلاع والقراءة. ولن ادخل كثيرا في التعريف بها،، لكن لقراءة المزيد عن واتسون الصحي يمكن النقر على الرابط التالي:
https://www.ibm.com/sa-en/watson-health
ولمعرفة المزيد عن اخفاق تحالف واتسون – أندرسون، يمكن النقر على الرابط التالي:
كما انني لا أخفيك بأن تعريف "الطب الشخصي" الذي توافقت عليه أغلب الأوساط العلمية البحثية في مجال الطب الحيوي، والذي اشرنا إليه في المقالة وهو: The right treatment, to the right person, at the right time, every time، هو – من وجهة نظري - تعريف خادع (deceptive) ولا يمكن تحقيقه، لأنه في اعتقادي بأن تصل إلى هذه المرحلة أو الدرجة من العلاج يجب ان تحوز العلم الإلهي وحكمته وتقديره (God’s knowledge) ، وهذا شئ محال الوصول إليه. على العموم الموضوع يطول للنقاش.
على كل، اختم تعليقي بجملة واحدة، وهي قناعتي الكاملة بأن منهجية مطاردة الأمراض منهجية مكلفة وليست ذات جدوى، مقارنة بمنهجية تعزيز العافية للأفراد والمجتمعات والحفاظ عليها. وهذا موضوع آخر.
-
الله يفتح عليك دكتور عبدالباسط. موضوع شيق. هل تعتقد بأن التحديات التي تمر بها فكرة توظيف الجينوم لخدمة الطب الشخصي تمثل مرحلة من حفرة الموت كما وصفت في مقال سابق لك، أي أنه بعد حين قد تتبلور الفكرة وتنضج بعد تجاوز تلك الحفرة أم أن الفكرة ولدت ميتة أساسًا؟
-
في حقيقة الأمر، سؤالك يا دكتور فتحي كبير جدا وعميق، ويحتاج إلى عقد ندوات مكثفة للمهتمين والباحثين في مجال الجينوم والطب الشخصي للإجابة عليه أو على الأقل التفكير بهذا البعد الاستراتيجي. لا أخفيك بأن سؤالك المتميز هذا فتح لي آفاق رحبة وعميقة في التفكير في المسألة. في الحقيقة إن فكرة مشروع الجينوم ابتداء كانت سؤالا فضوليا بسيطا ومباشرا عن مدى ارتباط تأثير الإشعاع النووي في مادة الـ DNA كما ذكرنا سابقا، وهل الإشعاع النووي سببا في نشوء وتكون طفرات جينية في الكائن الحي. هذا كان أصل السؤال الفضولي. لكن انفتحت أبوابا من العلوم المترابطة والمتداخلة لم تخطر على بال من طرح السؤال، وانبثقت عن المشروع كما قلنا مجالات علمية وأبعاد أخرى لم تكن في الحسبان. بلا شك، هناك نجاحات تذكر لمشروع الجينوم ومشروع التعرف على المادة الوراثية لا يمكن إنكارها أو غض الطرف عنها. لكن التعقيد البيولوجي للكائنات الحية غير المتصور جعلهم يدخلون في تحد غير مسبوق معها. وأنا شخصيا بوصلة اهتمامي تتجه نحو الجزء الخاص بالأمراض المزمنة المعقدة (NCDs)، وما جدوى مشروع الجينوم البشري والطب الشخصي في أن يلعب دورا في القضاء عليها،، هذا هو مربط الفرس بالنسبة لي. ولا أخفيك أن المشروع من هذه الزاوية (أي القضاء على الأمراض المزمنة المعقدة) لن يكون ذا جدوى لعدة أسباب منها أن مشكلة هذه الأمراض لا تكمن بالضرورة في الجينوم، بل الجينوم في الواقع هو ضحية لهذه البيئات الممرضة (كالإشعاع النووي مثلا- أصل المبحث العلمي)،، فبالإضافة للإشعاع النووي، هناك دوائر أخرى تلعب دورا مهما في نشوء هذه الأمراض واستفحالها وانتشارها بهذا الكم الهائل المخيف على حسب تقديرات وتقارير منظمة الصحة العالمية المتوالية. هذه الدوائر من خارج مادة الجينوم – في رأي المتواضع - لم يعر لها المؤمنون بالمشروع الاهتمام الكافي، بل انكبوا وراء تشريح تسلسل مادة الـ DNA، على أمل إيجاد حلول لهذه الأمراض داخل مادة الجينوم. ولقد ذكرنا في مقال الثورات الثلاث ما لها وما عليها الآثار السلبية للثورة الصناعية والرقمية تحديدا، وكيف رسخت هذه الثورات لسياقات كونية بيئية تنحو بالناس نحو المرض أكثر من توجيهه نحو العافية، بمعنى سياقات ممرضة (pathogenic). وبالعودة إلى سؤالك عن حفرة الموت، وهل المشروع سيتخطاها أم أنه سيقع فريسة تلتهمه، فأقول بأن مشروع الجينوم وأدواته في الوصول إلى الطب الشخصي سيدفن في مقبرة الموت، ولن يكون له دور يذكر في القضاء أو على الأقل في التقليل من انتشار الأمراض المزمنة المعقدة وإصابة الناس بها ما دامت السياقات الكونية البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية هي مولدة للأمراض لا مرسخة للعافية، ولا زالت هذه السياقات الكونية غير الصحية في تصاعد مطرد. نحن نريد صك وترسيخ مصطلح توليد العافية (Afiatogenesis)، وتغيير ما يعرف اليوم بسياقات الـ (pathogenesis). ولكي نوجه البوصلة نحو توليد العافية عوضا عن توليد الأمراض،، علينا أن نقوم بثورة علمية جذرية في مناهج التعليم والمعرفة والبحث العلمي في جميع مجالات علوم الحياة والطب الحيوي مضافا إليها العلوم الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية والدينية والاقتصادية، والبيئية وغيرها. أنهى وأقول لك يا دكتور فتحي بأن حوارنا هذا عن جدوى الجينوم والطب الشخصي في القضاء على الأمراض المزمنة سيكون له شأن يوما ما في الأوساط العلمية،،، وما ذلك على الله بعزيز. وللحديث بقية،،،، تحياتي يا صديقي.
-