-
إسقاط رائع ودقيق دكتور عبدالباسط. كما تفضلت، فإن أنظمة الرعاية الصحية قد تدور حول هذه الثنائية. ولكن بالنسبة للمواطنين في هذا الجزء من العالم الذي أعمل فيه، فهناك بعضهم لايحبذ "الخلد" أو إطالة أمد الحياة، مالم تكن "جيدة". ولذا تشيع هنا "وصايا" عدم إطالة الحياة بدون معنى، ويصر أهل المريض في عدة حالات على التذكير بها، قبل أن تنخرط المنظومة الصحية في إخضاعهم لتروس المنظومة التي تسعى إلى شجرة الخلد.
-
شكرا اخي فتحي على تعليقكم على المقالة. نعم أحسنت، فهذا البعض الذي اشرت إليه من سكان الغرب لا يحبذ الحياة المغموسة والمخلوطة بالأمراض، بل ينشد اطالة أمد الحياة بصحة جيدة. وهذا ما اشرنا إليه تماما إلى الهدف التي تدّعيه انظمة الرعاية الصحية، و هو تمكين الناس من اطالة حياتهم وبصحة جيدة (to live longer and healthier). وفي تصوري ان محرك هذا الشعور أو الطلب أو الحرص والتوصية على إنهاء الحياة المغموسة بالأمراض والمعاناة لدى هؤلاء البعض من الغربيين هو اختلال وضبابية المعنى والمفهوم الفلسفي والعقدي والثقافي لمفهوم الحياة والموت عندهم. أي بمعنى اختلاف العقائد لديهم ولدى المسلمين. ففي المفهوم الإسلامي ان الدنيا مزرعة الآخرة وانهما متصلتان لا انفصام بينهما. وغاية المسلم هو دخول الجنة والنجاة من النار. ولذلك جاء القرآن الكريم، وجاءت احاديث الرسول ﷺ ترسخ لهذا المعنى الأصيل في العقيدة الإسلامية، وأن طول العمر ليس غاية في حد ذاته، فالغاية هي طول العمر وحسن العمل كاستثمار لدخول الجنة والفوز بها. وقد اشار النبي محمد ﷺ في احاديث عدة إلى طلب الموت وأن يتوفاه الله في حالة انتشار فتنة بين الناس. مثل دعائه في حديث طويل بقوله: (إذا أردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيرَ مفتونٍ)، وفي حديث آخر سائلا المولى عز وجل قائلا: (اجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر). وهنا نلاحظ أن الرسول صل الله عليه وسلم طلب من الله ان يقبض روحه في حالة الشرور والفتن، وهذا يعنى أن طلب الحياة والعيش في الدنيا ليس غاية في حد ذاتها، وانما الغاية هي حسن العمل والفوز بالجنة والنجاة من النار. وهذا مبحث آخر عظيم يجب أن يبحث فيه عن معنى الشرور والفتن التي اشار إليها الرسول محمد صل الله عليه وسلم. كما انه في المقابل جاءت احاديث كثيرة وادعية للنبي محمد صل الله عليه وسلم يسأل فيها الله العافية في الدنيا والآخرة، كقوله صل الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ اليقين والعفو و الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، ولفظه عند الترمذي: (سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة)، وفي لفظ آخر: (سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية)، وهذا مفهوم عظيم يرسخ لمفهوم العافية المستدامة (sustainable wellness)، لا العافية المنقوصة المحصورة في الدنيا فقط، فكمال العافية يكون في جنات النعيم، وجنة الفردوس الأعلى. كما أن هناك مفهوم آخر عظيم في حالة الإصابة بالأمراض أو المصائب والآلام. فالإصابة بالمرض عند المسلم قد تكون له خيرا لا شرا، كما اشار القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، وهذا لا يعنى ان يتمنى الإنسان الأمراض والمصائب بل هي توجيه رباني إلى معاني خفية اكبر من الظاهرة. كما أن هناك معنى عظيم آخر اشار إليه حديث الرسول ﷺ: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). رواه مسلم، وهذا الحديث الأخير يقعّد لمصطلح عظيم آخر اسميه بمسمى العافية الشخصية (personalized wellness)، في مقابل مصطلح الطب الشخصي (personalized medicine) الذي انتشر في العقود الاخيرة في الأوساط الطبية بعد انتهاء مشروع الجينوم البشري. وهذه المعاني والمصطلحات في مفهوم المرض والعافية – في رأي - لم تدرّس لنا في مناهج الطب الحديث، ولم يشر إليها حتى تلميحا في المراجع العلمية المختلفة. وانا شخصيا متفهم تماما لهذا الغياب الواضح لهذه المعاني العظمية والجليلة لأن الانتاج االمعرفي في علوم الطب والرعاية الصحية في القرون الثلاثة الأخيرة هو منتج غربي صرف ليس لنا فيه – للأسف - بصمة تذكر. عموما الحديث والشرح يطول اخي الحبيب فتحي، نسأل الله ان يفتح عليك فتوح العارفين، وان يجعلك كالغيب النافع، آمين. تحياتي،،
-