- · 2 friends
-
- · Advanced Member
أريد جنرالا وبأي ثمن
لعلكم سمعتم كما سمعت ومن الرجل مباشرة من وسائل الاعلام المختلفة عندما أعلن استعداده لإيقاف حملته العسكرية اذا استلم الجيش مقاليد الحكم وقال أننا نستطيع أن نتفاهم مع الجيش. نعم أنا اقصد بوتين وذلك بعد عدة أيام من بداية عملية غزوه على أوكرانيا. السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يريد بوتين أن يستلم الجيش الاوكراني مقاليد الحكم من السلطة المدنية مقابل إيقاف الغزو مباشرة؟ هل الجيش الاوكراني خائن؟ بالطبع لا .. من يقف في وجه الغزو الروسي بشجاعة كبيرة ومن يقدم التضحيات في الميدان هم الضباط والجنود الاوكران.
لوضع تفسير منطقي (على الاقل من وجهة نظري البسيطة) لطلب بوتين دعونا نعرج على ما يميز الجيوش عن الحياة المدنية بشكل عام. السر يكمن في التركيبة الهيكلية والتنظيمية لأي جيش منظم في العالم. الجيوش النظامية هي بطبيعتها هرمية وتوجد لمنتسبيها رتب عسكرية واضحة واقدمية وتعتمد بطبيعتها على السمع والطاعة وبدون نقاش ولو كان في الامر كارثة فكما يقال "نفذ ثم اعترض". وهذه الطبيعة للجيوش العصرية مهمة جدا في ارض المعركة وذلك لتوحيد الجهد العسكري لإنجاز المهمة التي يضعها القادة ومنع الاجتهادات الشخصية والتي قد تؤدي الى إفشال الخطط العسكرية.
ولكنها بالطبع ليست ملائمة أبدا لتسيير وبناء الدول في أوقات السلم، بمعنى أنه لا ينبغي لهذا الفكر العسكري أن يتصدر المشهد السياسي في الدول. البناء الفعال للدول والمجتمعات يحتاج وبقوة لتعدد الرؤى والاتجاهات ولو كانت متعارضة ومتناقضة فهذا التلاقي والتعارض يؤدي الى تلاقح الأفكار وولادة رؤى جديدة والخروج بمرور الوقت الى نظم اقل ما يمكن أن يقال عنها أنها أفضل ما يمكن الوصول اليه. استلام الجيش الاوكراني لمقاليد السلطة يعني ان هناك ووفقا للتراتبية العسكرية سلطة عليا عادة تتمثل في شخص واحد يمكن التواصل معه. التعامل مع شخص واحد في أي دولة يسهل بشكل كبير تعامل الدول الاستعمارية مع تلك الدولة.
فهذا الشخص يمكن جعله تابعا بالترغيب، أو الترهيب او الضغط السياسي المستمر أو بتغيير قناعته. وفي أسوأ الأحوال إذا كان هذا القائد مخلصا لقومه شجاعا فعندها يقومون بوضع نموذج لشخصيته بحيث يتم توجيهه بأحداث معينة بدون أن يشعر أنه مسير، أي يتم التبؤ بردود افعاله ويتم التحكم به وفقا لهذا النموذج النفسي والعقلي للزعيم. أما إذا فشلت كل المحاولات واصبح يشكل خطر عليهم فيمكن قتله او ترتيب انقلاب عليه واستبداله بمن يحقق لهم مصالحهم. المهم أن تكون كل أوراق اللعبة في يد شخص واحد او مجموعة صغيرة. أما حكم مدني وبرلمان حر يمثل الناس وتبادل سلمي على السلطة وفقا فهذا يجعل السيطرة التامة شبه مستحيلة.
وهذا ربما يفسرولو جزئيا رغبة الدول الاستعمارية دائما في أن يكون الحاكم في الدول التابعة ناقصة الاستقلال في يد شخص واحد تحت منه الجيش (القوة) سواء أكان جنرالا عسكريا او أميرا او ملك.