- · 8 friends
-
ا
- · Advanced Member
فلسفة انتاج أنظمة الرعاية الصحية
مؤسسات وصوامع أنظمة الرعاية الصحية الحديثة تتمثل في المؤسسات المركزية المعروف لدينا جميعا مثل المستشفيات، والعيادات الطبية، ومعامل المختبرات التشخيصية، والصيدليات الدوائية وغيرها شاملة المؤسسات الحكومية والخاصة معا. ما يهمنا هنا هو الحديث عن المحتوى الداخلي لهذه المؤسسات من تجهيزات وأدوات ومستلزمات طبية مختلفة الأحجام والمهام. هذا التنوع الواسع في كل هذه الأجهزة والأدوات من حيث الحجم والوظيفة صممت أساسا للتعرف على الأمراض وعلاجها، مستهدفة الحفاظ على صحة الناس وعافيتهم. فكل هذه الأجهزة والمستلزمات الطبية خرجت - في الحقيقة - من رحم ما يعرف اليوم بمراكز البحث والتطوير والإبتكار في مجالات العلوم المختلفة وفي مقدمتها أو على رأسها علوم الحياة وعلوم الطب الحيوي بشقيها "الساكن" و"المتحرك"، ومادة بحثها كل ما هو "حي" أو "ميت" على السواء. هذه الأجهزة والأدوات المتنوعة كانت عبارة عن أفكار وخواطر جالت بعقل الإنسان فعمل على ترجمتها إلى ابتكارات واكتشافات انتهت بنا إلى هذا التطور الملحوظ والمشاهد خلال القرنين الماضيين. ابتكرت هذه الأجهزة وصممت بناء على حاجات الناس في التعاطي مع صحتهم والحفاظ عليها من خلال كلمات مفتاحية بوصلتها متجهة نحو "المرض" بمختلف اسبابه وتنوعه وانتشاره يمكن ايجازها في الآتي: "توقع المرض"، "منع المرض"، "تشخيص المرض"، "علاج المرض" مقابل كلمات مفتاحية بوصلتها متجهة نحو "الصحة" يمكن تلخيصها في كلمتين فقط هما: "تعزيز الصحة" والحفاظ على الصحة". هذه الأجهزة والأدوات المختلفة تم ابتكارها حسب الحاجة والطلب، وحسب ما توفر من معلومات علمية في السياق الزمني، وحسب الاستطاعة أيضا. وكل هذه الحاجات والمعلومات والاستطاعة خاضعة أيضا لمفهوم التمدد والاندياح والانتشار. بمعنى كلما دعت الحاجة، وكلما توفرت المعلومة، وكلما تحققت الاستطاعة يتم الابتكار والانتاج على مدار الساعة، وهذه العجلة المتوالية المتحركة من الابتكار والانتاج لا تتوقف لحظة واحدة، مستمدة هذا الحراك من التغذيه التي تحكمها فطرة التنافس بين الدول والمجتمعات، وقبل هذا وذاك، هي مستمدة من جذور فطرة الإنسان المفطور على حب الخلود والبقاء والتملك. هذا الجهد البشري الجبار الموجه نحو ابتكار وانتاج الأجهزة الطبية ومستلزماتها المختلفة يتطلب أيضا جهدا جبارا آخرا موازيا لجوهر الفكرة أو الخاطرة التي وردت على عقل الإنسان، والمراد ترجمتها إلى منتج يستفاد منه في صوامع أنظمة الرعاية الصحية المغلقة المتنوعة. هذا الجهد الموازي يتمثل في عدة مسارات واتجاهات وشبكات مترابطة مهمة لضبط عجلة الابتكار والانتاج.
من هذه المسارات على سبيل المثال لا الحصر: المسار القانوني التشريعي، والمسار الأخلاقي، والإداري، والتخطيطي، والمالي، والتعليمي، والتوعوي، والإجتماعي، والسياسي، والربحي وهكذا دواليك. إذا ضابط هذه الابتكارات والانتاج المتنوع هي شبكات أخرى متداخلة من المسارات المعقدة بتعقد فلسفة الصحة والمرض سواء بسواء تكون على مسافة واحدة من جوهر الفكرة المراد انتاجها في الحقل الطبي. بوصلة حديثنا هنا متجهة تماما نحو فلسفة انتاج وابتكار أنظمة الرعاية الصحية دون الخوض في فلسفة وكنه المسارات الأخرى الداعمة لإنتاج هكذا نوع من المنتجات الطبية. فكل مسار من هذه المسارات - المذكورة أعلاه - المتداخلة والمترابطة والمنتهية بتكوين شبكة معقدة داعمة وحاضنة لأصل الفكرة. كل مسار من هذه المسارات له كلماته المفتاحية وبوصلته التي تميزه عن باقي المسارات. فتعقد شبكة المسارات الداعمة لخط الإبتكار والانتاج لهذه المستلزمات الطبية يتعقد بتعقد مدى فاعلية كل مسار، وما مدى تأثيره النسبي في انجاح عملية دوران عجلة الإبتكار والانتاج المستهدفة. في الحقيقة هذا التعقيد ليس بالضرورة مصاحب لإنتاج أجهزة وأدوات أنظمة الرعاية الصحية فقط دون غيرها من المنتجات الأخرى في المجالات المختلفة كالتعليم، والإقتصاد، والإنتاج العسكري، والمواصلات، والسياحة والسفر وغيرها، فهو - أي هذا التعقيد - ملازم لكل ما يمكن أن يطلق عليه الأدوات التي يستعين بها بني البشر في استخلافهم واعمارهم للأرض في الحياة الدنيا.
بعد هذا التقديم الفلسفي البسيط - إذا جاز التعبير - يقفز بنا المقام أو السؤال نحو ما مدى نجاعة وفاعلية هذه الأجهزة والأدوات الطبية المنتجة لغايتين اثنين - كما أسلفنا سابقا - وتحديدا هما مكافحة الأمراض من جهة (بوصلة المرض)، وتعزيز الصحة والحفاظ عليها من جهة آخرى (بوصلة الصحة). المتتبع لنوعية وتنوع المنتجات الطبية واختلافها باختلاف غاياتها على مستوى المرض والصحة، نجد أن هناك ضعفا أو فشلا واضحا وملموسا في فاعلية الإنتاج الطبي وخصوصا في الشق المهتم بتوقع ومكافحة الأمراض وعلاجها. لكن في المقابل، هناك نجاحا مشاهدا وملموسا في الشق التشخيصي الوصفي التحليلي للمرض. والدليل على ذلك أن أغلب تقارير منظمات الصحة العالمية تشير الى زيادة مضطردة في الأمراض المزمنة بالعموم، ولم يتم الى الآن القضاء عليها أو التعامل معها بمهنية وحرفية بالغة. هذا التباين في نجاعة الإنتاج الطبي على مستوى التشخيص والعلاج له اسباب معتبرة، والتي في تصوري البسيط، قد تكون خافية على كثير من المهتمين والمشتغلين بالبحث والتطوير والابتكار في مجال الطب الحيوي. فجذور هذه الأسباب – في الحقيقة - تمتد إلى خلل أو اختلالات بنيوية في أصول المنهج العلمي البحثي المعتمد في الابتكار والانتاج،، وأسباب اخرى - وهي الأهم - هو التعقيد الملازم لبيولوجيا الإنسان الذي يلف ويصاحب ثنائية المرض والمريض معا.
لعلنا نفرد مقالا آخرا يسلط الضوء على مناهج البحث العلمي المعتمدة في مراكز ومعاهد البحث والتطوير في مجال علوم الحياة بالعموم، ومجال ابحاث الطب الحيوي على وجه الخصوص لنتعرف على التحديات أو الاختلالات البنوية في مناهج البحث والتطوير، لنفتح النقاش حول آليات عمل تفكيكها وإعادة بناءها للمساهمة في مكافحة الأمراض وتقليلها، وتعزيز صحة الأفراد والمجتمعات.