- · 7 friends
-
ا
- · Advanced Member
الحقيبة السوداء - (1- 3)
عندما نسّبت إلى كلية الطب بنغازي عام 1985م، وبحكم البروتوكول المعروف، وهو إخضاع الطلبة الجدد إلى مقابلة شخصية، سألتني إحدى المنتسبات لحركة اللجان الثورية ـ عضو لجنة المقابلة ـ عدة أسئلة، لتعرف بعدها بأنني لم انتسب لحركة اللجان الثورية قط، ولم أشارك في أي نشاط صيفي لما يسمى بمخيمات الفكر الثوري، ولم يكن لي اهتمام يذكر بأي يشئ يرتبط بمنظومة النظام، كحضور المؤتمرات الشعبية وغيرها. استغربت صاحبتنا هذه بشدة، خصوصا عندما علمت أنني قادم من مدرسة شهداء يناير الثانوية، إذ أسهبت بعدها في تزكية المدرسة، واعتبارها قلعة من قلاع الثورة، وأن تاريخها ناصع في القضاء على الرجعية المتعفنة، وغيرها من الأسطوانة المشروخة إياها. لذا بدت عليها علامات دهشة مصطنعة، ثم باغتتني بعدها بسؤال أدهشني لبرهة، قائلة لي: بما أنك من طلبة شهداء يناير، إذا فلماذا سميت مدرسة شهداء يناير بهذا الاسم؟ الحقيقة ارتبكت في الإجابة، بعد أن تزاحم في فكري: هل سميت المدرسة بهذا الاسم، لارتباطها بأحداث يناير 1964م، أم لارتباطها بأحداث يناير 1976م. الحقيقة الربكة التي غمرتني، أجزم بأنها لوحظت من قبل أعضاء لجنة المقابلة ـ المكونة من 3 أطباء + أختنا الثورية!!. بعد الزحمة الفكرية التي أصابتني ألهمت الجواب الصحيح، بقولي لها بأن المدرسة سميت بهذا الاسم لارتباطها بأحداث يناير 1964م. لم أصدق نفسي حينها بكيفية الهامي الجواب الصائب، فأثناء تزاحم فكري قبل الإجابة، تذكرت وبسرعة، أن صاحب مطعم (مقصف) المدرسة، واسمه سي فهيم، قد التحق بمدرسة شهداء يناير (بنغازي الثانوية سابقا)، كصاحب للمطعم عام 1962، أي قبل عامين من أحداث يناير، فأصبح بعدها أحد معالم مدرسة شهداء يناير الثانوية، واستمر في مهنته هذه لأكثر من 3 عقود متواصلة، حيث تخرج على يديه العديد من الخبرات الليبية في مجالات مختلفة، إلى أن ابتليت إدارة المدرسة بأحد عتاة اللجان الثورية ـ في ذمة الله الآن ـ الذي لم يرتح له بال، ولم يهدأ له قرار، إلا بطرد سي فهيم من المدرسة أوائل التسعينات، ويطمس هذا المعْلم إلى يومنا هذا!!
استمر الحوار بيني وبين هذه الثورية اللعوب في حضور صامت لأعضاء اللجنة الآخرين، لتسألني بتأني هل تشاهد التلفاز؟ فاستغربت، وسألتها ماذا تعنين بسؤالك هذا، فقالت لي سؤالي واضح، هل تشاهد التلفاز؟، فأجبتها بنعم. فقالت لي هل شاهدت مذبحة صبرا وشاتيلا؟ قلت لها نعم، فهي مأساة تتفطر لها القلوب. قالت: ما هو السبب برأيك في حدوث مذبحة صبرا وشاتيلا؟ فقلت لها: بأن الصهاينة بالتواطؤ مع فصيل من الفصائل اللبنانية هم من قاموا بذبح الفلسطنيين العزل من النساء والأطفال في مخيم صبرا وشاتيلا، وهذا هو ديدن بني صهيون. لم تمهلني طويلا، ففوجئت بعد إجابتي بأنها تقول لي: لا، السبب ليس ما قلت، ولكن السبب هو عدم انخراط المرأة العربية والفلسطينة بالذات في برامج التسليح الشعبي، أي بمعنى ان المرأة العربية، ومن ورائها المرأة الفلسطينية لم تعر لبرامج الشعب المسلح أي اهتمام، ومن ثم، فقد تم ذبحها كـالمواشي والخراف. قلت: نعم، كلامك فيه شيء من الصحة. بعدها سألتني سؤالا مباشرا لا مواربة فيه قائلة: إذا ما رأيك في تجييش المرأة في الجماهيرية؟ قلت لها، إذا ما هوجمت ليبيا من قبل أعدائها، ودخل الغازي باغيا، هنا لا بد من أن تشارك المرأة - دون تردد - في حماية الوطن، فتعمل بكل ما أوتيت من قوة، وبأي وسيلة في الذود عن حياض الوطن. في حقيقة الأمر، هذه الإجابة الوافية الشافية لم ترق لها، فتبرمت بوجهها، ولاحظت أن إجابتي فيها نوع من المراوغة، باعتباري سلبياً وبدرجة كبيرة، إن لم تصنفني في قرارة نفسها، بحسباني ليس من الموالين للنظام، إن لم أكن محسوبا على المعارضة الكامنة في الداخل. شعرت أن صبرها معي نفد، لذلك، قامت ووجهت لي سؤالا مباشرا لا مواربة فيه، لا يحتمل وجوها عدة من الإجابات. أي بمعنى سألتني سؤالا، الإجابة عليه، إما بنعم أو بـ لا، أي إجابتين لا ثالث لهما. سألتني بكل مكر ودهاء قائلة: هل توافق على التحاق أختك بكلية الشعب المسلح (الكلية العسكرية)، إذا ما تم تنسيبها إليها بعد حصولها على الشهادة الثانوية؟
هنا، أتركك أخي القارئ مع حدسك للتعرف على إجابتي، ثم رد فعلها وفعل لجنة المقابلة عليها!!... إجابتي في الجزء الثالث، مرفقة أسفل المقالة(*).