الممنوع مرغوب!!!

عندما جاء الأمر لآدم عليه السلام بألا يأكل من شجرة واحدة في الجنة، في حين أُبيح له الأكل من كل ما سواها، اتجه إلى تلك الشجرة بالذات. فقد صوّر له الشيطان أنها شجرة الخلد وملك لا يبلى، رغم أن الله لم يبيّن سبب النهي عنها.

منذ تلك اللحظة، أصبح الإنسان يعرف بالفطرة أن “الممنوع عنده مرغوب”، وأن النهي المباشر غالبًا ما يولّد رغبة داخلية معاكسة. لهذا، نجد أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد تحريم الخمر في الإسلام، لم يُنزل تحريمه مباشرة، بل جاء تحريمه على مراحل، وكل مرحلة تهيئ النفس وتدرّبها على الفطام التدريجي:

المرحلة الأولى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾

المرحلة الثانية: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ﴾

المرحلة النهائية: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾

هذه الآيات لا تبيّن فقط تدرّج التشريع، بل تُعلّمنا درسًا بليغًا في كيفية التعامل مع النفوس البشرية. فكلّما كان الشيء محرّمًا بطريقة قاطعة ومباشرة، كلما زاد التحدي في فعله، خصوصًا إذا لم تكن النفس مهيأة لقبول النهي والتوقف.

وهذا يقودنا إلى الواقع الذي نعيشه في مجتمعاتنا اليوم؛ فكثير من الأمور التي يُمنع عنها الشباب مباشرة، سواء كانت أخلاقية أو سلوكية أو فكرية، لا تُعالَج بالتدرّج أو الحوار أو الإقناع، بل تُواجَه بمنعٍ قاطع وشديد. وهذا غالبًا ما يدفعهم إلى التمرد، أو ارتكاب ما نُهي عنه في الخفاء، مما يُفاقم المشكلة بدل أن يحلّها.

نحتاج إلى منهج تربوي حكيم، يعتمد التدرّج والفهم العميق لطبيعة النفس البشرية، لا الصدام المباشر، لأن النفس لا تُغيّر بالإكراه بل بالإقناع.

المنع دون بديل، والضغط دون احتواء، لا يصنع مجتمعًا فاضلًا، بل مجتمعًا متظاهرًا بالصلاح ومضطربًا في الداخل.

فهم النفس، كما فهمها لنا الخالق، هو أول طريق الإصلاح.

انتهى

💓 1
التعليقات (0)