تطوّر الفكر الاستعماري!

في الماضي، كان المستعمِر يدخل بالقوة إلى المناطق التي يودّ استعمارها، يفرض سطوته عبر تعيين مندوب من حكومته يتولى إدارة البلاد، يفرض الضرائب، يرفع علمه، ويُرغِم الناس على ترديد نشيده الوطني. يعقد التحالفات مع أعيان البلاد وشيوخ القبائل ليكونوا عيونه على الناس، أما من تسوّل له نفسه التمرد، فمصيره الاعتقال وربما الإعدام ليكون عبرة لغيره. بل ويُغري البعض ليكونوا عيوناً له داخل المجتمع، مخبرين عن كل من يشكّ فيه.

أما اليوم، فالفكر الاستعماري تغيّر شكله وإن لم يتغيّر جوهره.

صار المستعمر الحديث يروّج للديمقراطية كغطاء ناعم لهيمنته. فإن غابت الديمقراطية في بلدٍ ما، اتخذها ذريعة للتدخل العسكري بحجّة “التحرير من الديكتاتورية”. وهو في الحقيقة لا يريد سوى استنزاف موارد هذا البلد والسيطرة عليه من خلال أدوات محلية.

يسلّح طرفًا ضد آخر، ويستعمل أبناء البلد الواحد ليحارب بعضهم بعضًا، بينما هم في الحقيقة أدوات ضمن صراع يخدم أجندة واحدة: أجندة المستعمر.

يمنع بكل قوة أي محاولة حقيقية لإنشاء دستور متين، أو يفرض دستورًا هشًّا، ثم يراهن على عملاء وصلوا إلى مراكز السلطة، ويهددهم بسحب الشرعية إذا خرجوا عن طوعه، فيُبقيهم تحت رحمته، أداة طيّعة لتنفيذ مخططاته.

لكي تُستعمَر دولة في العصر الحديث، يكفي أن تمتلك المستعمِر الأدوات التالية:

• أسلحة متطورة وتقنية عالية،

• أموال لدعم أي طرف حسب الحاجة،

• آلة إعلامية قادرة على طمس الحقائق وتشكيل الرأي العام.

هكذا نشاهد اليوم “دويلات” بحجم مدن صغيرة تفرض نفوذها، وتصنع الأحداث، وتغيّر موازين القوى في العالم.

إنه الاستعمار في ثوبه الجديد، لكن العقل الواعي لا يُخدع بالمظاهر.

انتهى

التعليقات (1)
    • احسنت اخي عبد الكريم وهذا كلام هو ما نراه بطبيعه الحال في عالمنا العربي اليوم فلا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم