حنان المقوب!!!
قد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
بهذا أنهى القدر قصة نسج اول خيوطها في عام 1981 تقريبًا، حيث فقدت أم ابنتها لأسباب عدة أبرزها الجهل، وسوء الإدارة، والإهمال، وغيرها من الأسباب التي لا يتسع المجال لذكرها.
تقبل الأب والأم قَدَرَهما برضا، إلا أن قلب الأم لم يتخطَى الحدث، وظل يترقب فرجًا يأتي من حيث لا تعلم. كانت تعلم أن نظام رب الكون لا يُخطئ؛ في حين أن الآخرين تجاوزوا الحدث بقولهم: “كل من عليها فان”، وليس هذا بالأمر المستغرب.
لم يمت الأمل في قلبها طيلة 44 عامًا، بل صدّرته إلى قلوب أبنائها الذين كانوا بين مصدّقين لإحساس الأم، ومكذّبين بحكم الواقع الذي أنهى “المحضر” في ساعته وتاريخه.
وإذا سلّمنا بقول المستشفى، يظل السؤال الفاصل بين المُرْجِحين، ألا وهو: أين الجثة؟ هذا السؤال كان كالنور في نهاية نفق الأمل، المنير في قلب الأم.
ومع مرور الزمن، وتطور وسائل الاتصال، وبينما كانت الأم تتصفح إحدى منصات التواصل الاجتماعي، استوقفتها صورة شعرت أنها تشبهها… ملامح لا تختلف عنها. انتابها إحساس رهيب، عجزت عن وصفه. أعادت النظر مرة ومرتين، فانقلب إليها البصر صادقًا: “هذه الفتاة قطعة مني، ولا أقبل غير ذلك!”
وعلى الجانب الآخر، كان القدر يبني شخصية تلقّفتها المظالم وشكّلت ملامحها. رُبيت بمحبة فطرية من أب وأم لا يجري دمهم في عروقها، رغم أنهم سدّوا خانة الأبوة والأمومة في حياتها. كان الظلم الأكبر من المجتمع: مدرسة، عمل، ملجأ أيتام… حتى ضاقت بها الدنيا بما رحبت، وكان الرحيل من الوطن هو المخرج من كل هذه المختنقات.
خروجها من الوطن كان البذرة الاولى لحياة اخرى، وكان القدر يرسم ملامح أخيرة لشخصية عاشت حياة بؤس، لتبدأ بعد ذلك حياة كلها حب وتفاؤل.
في الأيام القليلة الماضية، التقت الفتاة بأمها وأبيها، ليسجل القدر تاريخ ميلاد جديد لفتاة كُتب لها أن تولد مرتين:
الأولى مجهولة الهوية، والثانية بعد 44 عامًا، ولادة عائلية دافئة، بارك لها بها العالم بأسره، ولادة صنعتها هي وأمها وأخوها، على مرأى ومسمع الملاء، لتعود إلى الحبو في رحاب الأسرة، وتتكلم في كنف وسائل التواصل الاجتماعي، وتتعلّم كيف تتلذذ الطعام من يد أمها، بعدما حُرِمَت منها سنين طويلة.
مشيناها خُطىً كُتبت علينا
ومن كُتبت عليه خطىً مشاها
وبهذا انتهى الفصل الأخير من قصة بدأت وانتهت، والبشر يتقاسمون أدوارها دون أن يقرؤوا السيناريو، بل عاشوه. نخلص إلى أن للقدر فلسفة غير فلسفة البشر، وأن قلب الأم دليلها، وأن الأرحام يجمعها الدم الذي يجري في العروق، وأن لكل ظلم أو معاناة نهايةً سعيدة غالبًا، وأن الكاتب، مهما حاول أن يضع خبرته على الورق، لن يصل إلى مستوى حبك رواية كتبها القدر وعاشها البشر.
لتنتهي حياة حنان المقوب، وتُعلِن ولادة حياة حنان موسى عبدالكريم المقرحي.
انتهى