لحظة تأمل في الفتح الإسلامي !!!

حين نُمعن النظر في خريطة الفتح الإسلامي، نرى امتداده من الجزيرة العربية شرقًا حتى تخوم الصين، وغربًا حتى مشارف فرنسا. هذا الامتداد الهائل، الذي أذهل المؤرخين والباحثين، غالبًا ما يُتناول في مناهج التعليم من زاوية بطولية رمزية، بينما يغيب عنا تأمل الأبعاد اللوجستية والاقتصادية والمعنوية التي كانت حاضرة في كل معركة وكل فتح. وما يثير الدهشة أكثر هو عزيمة الجنود وهمّتهم التي لم تفتر بعد كل انتصار، منذ لحظة خروجهم من جزيرتهم حتى عبورهم إلى الأندلس.

تخيل اليوم محاكاة تلك الحقبة… ماذا نحتاج إذا أردنا أن نعيد رسم المشهد؟ نحتاج إلى ميزانية ضخمة لتجهيز الجنود بالعدة والعتاد، ونقلهم عبر الصحارى والجبال، وتأمين المؤن والدواب، وتوفير أطباء ومساعدين ومرافقين. نحتاج إلى أدوات للطبخ، وأماكن للنوم، وآليات لحفظ النقود وحمايتها، ومقار للاجتماعات، وخطط استراتيجية يقودها قادة محنكون.

تشير تقديرات حديثة (استنادًا إلى محاكاة تشات جي بي تي) إلى أن عدد جيش موسى بن نصير – والي شمال إفريقيا في العصر الأموي – تراوح ما بين 12,000 إلى 20,000 جندي عند فتح الأندلس. وبافتراض متوسط عدد 15,000 جندي، وبحساب تكلفة الجندي الواحد شهريًا بما يعادل 2,500 دولار (حسب القيمة المعادلة اليوم من حيث الدعم والتجهيز)، فإن مجموع التكلفة الشهرية للجيش يبلغ 37,500,000$ سبعة وثلاثون مليون وخمسمائة الف دولار امريكي.

فقط تأمل هذا الرقم، وتخيل حجم الإمكانيات والموارد التي كانت تُسخّر لخدمة الفتوحات الإسلامية. هذا ليس مجرد جيش ينتقل من نقطة إلى أخرى، بل دولة كاملة تتحرك بإيمانها، ومؤسساتها، وخططها، وأحلامها.

عند تدريس أبنائنا الفتوحات الإسلامية، يجدر بنا ألا نُبقيها ضمن خانة الحكايات البطولية المجردة، بل نكشف لهم عن الأبعاد الواقعية التي تُضفي على تلك الأحداث قدرًا من الإدراك العميق والتقدير الحقيقي لما بذله أولئك الأوائل من تضحيات وإعداد واستعداد.

الفتوحات لم تكن نزهات، بل كانت مشاريع حضارية كاملة، تطلّبت استراتيجيات عسكرية، واقتصادًا منضبطًا، وولاءً فكريًا ودينيًا عميقًا.

انتهى

التعليقات (1)
    • عمليات عسكريه بهدف اقتصادي صرفت الاموال من اجل جلب أضعاف الاموال لبيت المال ومطامع اخري والغلبه كانت الاقوي جسديا وفي العنف

      • 1