لقطة إنسانية… بلغة الجسد فقط!
اليوم، وبينما كنت أقف على محطة الوقود، لفت انتباهي مشهد لم أستطع تجاهله. امرأة نزلت مسرعة من السيارة التي أمامي، كانت خطواتها مرتبكة وكأنها تبحث عن شيء أو تهرب من شيء… ثم رأيتها تنحني قليلاً وكأنها توشك على التقيؤ، قبل أن تجلس على الأرض وتجهش بالبكاء.
أوقفت سيارتي عند المضخة، وتركت كل شيء وتوجهت نحوها. كانت تغطي وجهها بيديها، تنهار من البكاء.
قلت لها بلطف:
— “هل تحتاجين إلى مساعدة؟”
قالت وهي تحاول تمالك نفسها:
— “ابني في السيارة… اتصلت بزوجي، هو قادم في الطريق.”
سألتها:
— “هل أُبلغ الإسعاف؟ هل أطلب الطوارئ؟”
لكنها كررت بصوت متهدّج:
— “ابني في السيارة… وزوجي في الطريق.”
عدتُ أدراجي إلى مضخة الوقود، بينما قلبي مشغول بها. عند عودتي، لفتتني سيدة مُسنة تجلس في المقعد المجاور للسائق في السيارة، كانت تراقبني بنظرة قلقة، تفيض حيرةً وفضولاً.
نظرت إليّ وسألتني بعينيها فقط:
“ماذا حدث؟”
أجبتها بلغة الجسد… رفعت كتفيّ، ومددت كفّي إلى جانبي وجمعت حاجبيّ في تعبير حائر… ثم أشرت إلى وجهي وسحبت بإصبعي على خديّ مشيراً إلى الدموع…
أي أنها كانت تبكي.
فهمت السيدة العجوز الإشارة تماماً، وتحولت ملامحها فجأة إلى حزن عميق، وكأن شيئاً بداخلها انكسر.
وأنا أُكمل تعبئة الوقود، رأيت أحد العاملين في المحطة يقترب من المرأة ليتفقد حالها، ثم توجّه إلى السيارة ليطمئن على الطفل.
أنهيت تعبئة الوقود وانطلقت في طريقي، لكن المشهد بقي معي…
ما دعاني إلى كتابة هذه السطور هو تلك “اللغة الصامتة” التي تحدثنا بها دون أن ننطق بكلمة واحدة… مشاعر مكتملة المعاني، نابعة من إنسانيتنا، وفهم عميق لا يحتاج إلى ترجمة.
أحياناً، يكفي أن تكون إنسانًا لتفهم…
حتى ولو لم تقل شيئاً.
انتهى