·   ·  20 posts
  •  ·  8 friends
  • ا

    8 followers
  •  ·  Advanced Member

من الذاكرة (٢)

من وحي الذاكرة...

  تشدني الذاكرة الى سنة 1988، وبعد يوم طويل شاق، وفي مدينة كالجري في غرب كندا، وعند خروجي من مستشفي الاطفال وكانت الساعة تقترب من الرابعة فجرا، وكنت حينها قد استدعيت  لاستخرج بطارية من مريء طفل عمره سنتين، وبجانب مراب السيارات كانت المفاجأة، رجل ملقي على الرصيف، وكل مااقتربت منه تسارعت دقات قلبي، هالني ثيابه الممزقة في ساعات الفجر الباردة، ووجهه الشاحب الحزين، وكلما اقتربت اكثر، زادت حيرتي وارتباكي،لاشاهد عينيه البنيتين الذابلتين ،وبشرته البنية اللون وشاربه الكث.

ابتدرته سائلاً: "هل استطيع ان اساعدك ؟"..! فرد: "أحتاج الى طعام ،لم أذق شيئًا منذ يومين."

كان مصابًا باعياء شديد لا يمكنه الوقوف، فسألته: "هل تريد ان تذهب الى المصحة القريبة او ترافقني للمطعم القريب" ..فاشار باصبعه موافقا لاصحبه للمطعم،  احضرت مركبتي، وفي الطريق اخبرني انه من احدى اكبر القبائل الهندية التي تقطن شمال مدينة كالجري، وانه باع بعض الحلي وخسر كل ماله في مركز القمار القريب. فسألته: هل لديك اسرة في كالجري؟....واتضح أنه لم يكن له لا اولاد ولازوجة...

سالني وهو يمسك بسندويتش الهمبرجر الساخن بيديه المرتعشتين:   لماذ فعلت معي هذا وانت لا تعرفني ؟!....قلت لاادري !

قال كان يمكن ان تفعل كما فعل المئات الذين يمرون من هنا، قلت ولكن هذا لا انساني، تجاهل المحتاجين عمل لا يدل على الارتقاء البشري، واردفت قائلاً، كيف اذا نتميز اذا عن عالم الحيوان. 

قلت له لدي صلاة لابد ان اقم بها الان ويمكن ان تحضر معي ان شئت. قلت للشيخ سعيد السوداني ، هناك ضيف، هل يمكن تعتني به؟!  ،وتركت الرجلين ومضيت.

وبعد اسبوعين  ذهبت الى المسجد وقت صلاة المغرب ،كان يوسف علي (هكذا سمى نفسه) يرفع الاذان بصوته الرخيم الواثق، وبعد الصلاة اقتربت منه وحييته، كان سعيدا ومبتهجًا...لقد شرح لي الشيخ سعيد اشياء كثيرة، شد على يدي بقوة والدمعة في عينيه، انا مسلم الان ، وقد حفظت سورة الفاتحة، واقيم مع الشيخ سعيد، واقوم على العناية بالمسجد والاذان، وساعود الى قبيلتي في شمال كالجري لادعوهم الى الاسلام، شد على يدي بقوة والدموع

تنهمر من عينيه الضيقتين وتسيل على خديه ثم احتضنني بقوة ، فاراد ان يقبل يدي فسحبتهم بهدوء وربت على كتفه...

 كانت لحظه فارقه في حياتي ، قلت في نفسي الحمد لله على نعمة الاسلام العظيم، ..."لان يهدي الله بك راجل واحد خير لك من حمر النعم ".

💓 1
Comments (3)
    • قصة رائعة وملهمة، شكرًا دكتور علي. سبحان الله كيف نسجت القدرة الإلهية الأحداث من طفل صغير يبتلع بطارية، إلى طبيب مسلم يتواجد في المستشفى في ساعات الفجر، إلى اختيار هذا المسكين مأرب السيارات حيث سيارة الطبيب، إلى موعد صلاة الفجر. كل تلك الحلقات كانت مهمة وأساسية لتطرح تساؤلًا في ذهن هذ المسكين عن دافع مساعدته، وقدمت له الأسلام، ربما لأول مرة، عبر "الدعوة بالفعل والسلوك" وليس في شكلها التقليدي، وكان له الخيار فاختار الإسلام. لعل هناك الكثيرين من "يوسف علي" (وسبحان الله هو عكس أسمك يادكتور علي ...علي يوسف") في بلاد المهجر والذين قد تضيء مصابيح في أذهانهم إن تم تقديم الإسلام لهم في معناه الحقيقي فعلًا، قبل أن يكون قولًا. بوركت مرة أخرى دكتور على...ولعل سندويتش الهمبرجر كان أثمن وأهم  سندويتش همبرجر اشتريته !

      • سندوتش همبرجر اسلامي،، ههههههههه. بالفعل قصة رائعة تتطلب منا التأمل في سياقاتها، وتقدير الله للأحداث المتنوعة لنتهي بخروج انسان من ظلمات الكفر إلى نور الاسلام. زادكم الله علما وعملا د. علي،، جزاك الله خيرا.

        • نعم اخي فتحي واخي عبد الباسط، كان بالتاكيد ابرك سنندويتش هامبرجر في حياتي ، وشكرا لمروركما ، ويبقي القوة في كلمات الحق الذي تحتاجه البشرية اليوم ، ولكن التقصير الذي اصابنا عن حمل راية الجهاد ربما يكون مسؤل عن الحملات واللطمات التي تكال لهذا الدين ، والى ان يستجيب المسلمون لندات البشرية سيضل هذا العالم غارق في الكفر والالحاد والجاهلية ،ولكم كل التحية والتقدير 

          Login or Join to comment.