- · 9 friends
-
ا
- · Advanced Member
من الذاكرة(٩) مها.... الرحلة الاخيرة الصفحة الثانية
لقد نشأت في بيت متواضع الدخل ؛ كان جدكم مرسال يشتغل في البناء ؛ وبعد الحرب العالمية الثانية؛ ازدهر البناء لكثرة المباني المحطمة، وكان ينبغي ان أعين جدكم على تكاليف الحياة والمعيشة، تركت الدراسة بعد الفصل الرابع الابتدائي والتحقت بالمدرسة الليلية، وكان احد المدرسين الاستاذ مصطفى بن عامر، خريج الازهر الشريف ولأنني كنت مجتهدا في الدراسة، قامت علاقة ود بيننا. اختارني للعمل معه في مطبعته الكبيرة في شارع اقزير المتفرع من شارع عمر المختار في قلب مدينة بنغازي حينذاك واستمريت انا في المدرسة الليلية.
وعندما عرف حبي للاطلاع أهدى الي خمسة كتب مرة واحدة وطلب مني ان اقراها في شهر فقراتها في اسبوع ، كانت كتب الاستاذ محمود العقاد " العبقريات" ، وذكر لي جزء من سيرة العقاد وانه تعلم بدون مدارس فازداد تعلقي بالاستاذ محمود العقاد فقررت قراءة كل كتبه بعد ذلك وفي اول زيارة لي لمصر زرت بيت الاستاذ محمود العقاد، كان متحفا حينذاك، وادهشني انه احتفظ بمكتبة ضخمة ورأيت في كل اناء للطهي كتاب او اكثر، فلم تتسع مكتبته الضخمة عدد كتبه؛ كان بلا شك رائعا؛ وسمح لي الاستاذ مصطفي بن عامر ان احضر المنتديات الأدبية التي كانت تعقد في بيته؛ واشتركت في مجلة "إقرأ" والتي كانت تصدرها و تشرف على طباعتها دار الهلال المصرية.
وعندما كنت انت يا علي في الصف الثالث الابتدائي قدمت لك اشتراكا شهريا في مجلة سمير وميكي المصريتين، وعندما كنت في بداية المرحلة الاعدادية اشتركت لك في مكتبة البركة العامة القريبة من بيتنا ، وكانت قد انشئت حديثا حينذاك، واشتركت لصديقك محمد مخلوف (درس في لبنان وتخرج صحفيا)؛ وتابعت معك الكتب التي كنت تقرأها انت يا علي؛ انأ اذكر في صيف الثالث الاعدادية يا علي قرأت انت اكثر من خمسين كتابا ادبيا من كتب توفيق الحكيم والعقاد ونجيب محفوظ ومصطفى محمود والكاتب الذي كنت تحبه وقرات كل كتبه تقريبا الكيلاني. هل لازلت تذكر كتابه "العالم الضيق" و"عمالقة الشمال" و شاعر الاطفال السوري سليمان العيسى؛ وكنت افخر بك امام أصدقائي وكنت اصحبك معي لكل الاعمال الادبية والفنية وبعض مسرحيات يوسف وهبي، الابكم وكرسي الاعتراف وراسبوتين؛ وعندما انشأت باسمك مكتبة المختار في شارع العرفية في البركة لبيع الكتب والقرطاسية قدمتك للادب العالمي فقرات انت كل كتب فولتير وفيكتور هيجو وفيودور ديستويفسكي، لويس دي كاموس ودى شير باننسي وغيرها وراجعت معك اغلب هذه الكتب والمراجع.
وهكذا تصقل الشخصيات يا مها، وانا ارجو الله ان اطال في اعماركم ان تعلموا أن رقي الامم والافراد بالعلم والمعرفة والثقافة بعد تقوى الله سبحانه ومرضاته والا كانت فتنة في الارض وفساد كبير "والحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها اخذها " وليس كما يحدث الان بين الامم في الطليعة كثير منها آيل للسقوط لا محالة ..."انما الأمم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا"... أحسنت يا أبي ؛ انا وام يوسف نعمل كل ما في وسعنا لنجعل من هذا النشء الجديد لبنة بناء لمستقبل زاهر، وانت يا ابي بفضل الله ورحمته ثم التضحيات التي قدمتها انت ووالدتي نشانا نحن وتربينا وتعلمنا ونسير على نفس الدرب لتربية مها واخواتها ان شاء الله٠
كان والدي يتحدث بشجون وانفعال وكان السرد جميلا ومثيرا ؛ وهو يتذكر الماضي البعيد والتضحيات وكانت مها تجلس في المقعد الخلفي وام يوسف وابتهال ثم يجلس يوسف وسهيل في المقعد المحجوز لهم دائما في اخر السيارة، أما السيارة الاخرى كان يقودها اخي الصغير ابو بكر بصحبة والدتي؛ كان جميعنا في السيارة الكبيرة ينصت باهتمام وينتظر المزيد من حكيات والدي، وكان والدي يتقن السرد والحديث، وفجأة قالت مها نحن على ابواب المدينة المنورة يا ابي، انظروا هذه مآذن المسجد النبوي الشريف ، وحقا كان المشهد غاية في الجمال، ثم اشارت بأصبعها الى فندق؛ قالت مها: هذا فندق الدخيل قريب من مقبرة البقيع (المكان الذي يضم الأجساد الطاهرة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم) واول من يأخذهم جبريل عليه السلام فوق جناحه ويدخل بهم الجنة يوم القيامة. استرسلت مها و سبق ان استأجرنا به غرفة في زيارة سابقة وهو ايضا ليس بعيد عن مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وافق والدي على الفور، ثم وافقت انا...
فيا ترى ماهي بقية الحكاية والاحداث المرة والمريرة والعصية عن النسيان؟
ويتبع ان كان في العمر بقية.....
-
- · فتحي إدريس
- ·
-
شكرا فتحي على مرورك ، واضافة الصورة قمة في الروعة وغاية في الفطنة والذوق الرفيع لان هذه الاحداث كانت بدات في شارع سيدى سعيد حيث كان يقطن جدي مرسال وتربي والدي (رحمهما الله) المتفرع من شارع عصمان وشارع اقزير وشارع عمر المختار وسينما البرنيتشي على مسرحها حضرت الدراما ليوسف وهبي بصحبت والدي ؛ولكم تحياتي