·   ·  33 posts
  •  ·  8 friends
  • ا

    10 followers
  •  ·  Advanced Member

هل الأمراض ذات طبيعة واحدة أم هي متباينة ومختلفة؟

بعد مضى قرابة ربع قرن لي تقريبا في مجال أبحاث السرطان، بدأت أتساءل: هل الأمراض نوعها واحد أم مختلف ومتنوع، وهنا لا أقصد الانواع المختلفة في التصنيف ليشمل الأمراض المختلفة كمرض السكري، وأمراض القلب والاوعية الدموية، أو أمراض السرطان وغيرها. لا، ليس هذا ما أقصده. بل قصدت بتوجيه سؤالي نحو الأمراض ذات الطبيعة الواحدة والمتشابهة في التصنيف ظاهرا، وكلمة "ظاهرا" هنا لها دلالتها. بمعنى هل مرض سرطان الثدي الذي يصيب امرأة ما، هو نفس مرض السرطان الذي يصيب امرأة اخرى، حتى لو كان في نفس المرحلة السرطانية (مرحلة أولية أو متقدمة). وهل سرطان القولون الذي يصيب رجل ما، هو نفس السرطان الذي يصيب رجل آخر. وهل مرض السكري الذي يصيب شخص ما، هو نفس مرض السكري الذي يصيب شخصا آخرا، وهكذا دواليك. 

الابحاث الطبية المتقدمة، وخصوصا بعد طفرة علوم الجينوم وعلم تحليل المعلومات الضخمة (المعلوماتية الحيوية) ومساعدتها الهائلة في تنميط الأمراض جزيئيا ـ Molecular Profiling – باستخدام تقنيات متقدمة تعرف حاليا بتقنية الاوميكس  - Omics Technology -اثبتت ان المرض مختلف تماما حتى ولو صنف تحت نفس النوع المرضي ظاهرا. فالتنميط الجزيئي لسرطان الثدي أو القولون مثلا يختلف اختلافا كليا وجوهريا عن السرطان الاخر من نفس النوع النسيجي المشخص تحت الميكروسكوب. وكذلك الأمراض السرطانية المتنوعة بالإضافة إلى الأمراض الأخرى المختلفة التي تقع خارج تصنيف السرطان. إذا، نحن نتحدث او نتعامل مع مرض فريد من نوعه (سرطان، سكري، ضغط، حساسية، خرف، سمنة،، إلخ) في تركيبته الجينية والجزيئية، أي بمعنى أن كل مرض هو نوع واحد لا يشبه مرضا آخرا حتى وان اعتقدنا انه من نفس النوع، أو الفصيل أو التصنيف أو المرحلة "ظاهريا". وفي المقابل، الجسم  ـ الانسان ـ الذي يستضيف المرض (المصاب) هو ايضا شخص فريد من نوعه من حيث تركيبته الجينية والبيولوجية الجزيئية.

إذا نحن أمام اختلاف نوعي ثنائي (المرض والمريض) سواء بسواء. وهنا يمكن لنا المضي قدما نحو تسليط الضوء على الاختلافات النوعية التي تطال البيئة التي يعيش فيها المصاب، وكذلك نمط سلوكه اليومي المختلف تمام من شخص لآخر، حتى وإن كانا توأمين متشابهين. في تصوري البسيط، مناهج الطب الحديث التي درسناها ولا زالت تدرس إلى الآن لم تلتفت ولم تسلط الضوء على هذا المعطى المهم جدا من التنوع والتباين المختلف (Biodiversity) مما نتج عنه اختلالات بنوية في تصميم الدراسات السريرية (Clinical Trials) المعروفة والتي تهدف إلى اختبار أدوية وعقاقير مركبة أو مستخلصات طبيعية نباتية أو حيوانية ما، لدراسة تأثيرها ونجاعتها في علاج الأمراض المختلفة، وذلك بإجراء تجارب سريرية لمعرفة تأثير دواء معين (مركب كيميائي او مستخلص طبيعي) على مرض ما.

 فيتم على سبيل المثال تجميع مجموعة من المصابين بالمرض (سرطان القولون مثلا) مقابل مجموعة غير مصابة بالمرض وتسمى بالضابط  (Control) ، أي  case-control study، ليتم بعد ذلك دراسة مدى تأثير هذا الدواء المعين في علاج المرض المعني بالدراسة.  لذا يتم تصميم مثل هذا الدراسات السريرية الكبيرة دون اعتبار ـ بمعنى اهمال ـ  لهذا التنوع والتباين البيولوجي المعقد. في الحقيقة منهجية تصميم الدراسات السريرية ليست بالدقة التي نعتقدها،، مما نتج عنها هدر اموال ضخمة سنوية من ميزانيات الدول المتقدمة وفشل واضح دون الحصول على نتائج مرضية للبشرية، وخصوصا نحو الأمراض التي تعرف بالأمراض غير السارية (المعقدة) Non-communicable diseases. 

لذا نجد الآن توجه البحث العلمي نحو اجراء ابحاث لدراسات سريرية تضم مريضا واحدا مصابا فقط،، بمرضا معينا واحدا فقط، والتي تعرف الآن ب (The N-of-ONE clinical trial)، وذلك لتخطي معضلة التنوع والتباين الحيوي المعقد الذي يطال المرض والمصاب سواء بسواء. إذا، السؤال المطروح أعلاه: هل الأمراض ذات طبيعة واحدة أم هي متباينة ومختلفة؟ غاية في الأهمية ـ وفي تصوري ـ لم يلق حظه الوافر من الدراسة والبحث في مجالات الطبي الحيوي. فهل يأت اليوم الذي تستطيع فيه ابحاث الطب الحيوي من الإجابة او تسليط الضوء على الجوانب المظلمة المخفية في هكذا تحديات معتبرة. ربما، ولم لا،،،.

Comments (0)
Login or Join to comment.