·   ·  32 posts
  •  ·  7 friends
  • ا

    8 followers
  •  ·  Advanced Member

''هل أنت بخير؟'' ''R U OK?''

جديد

على خطى حركة الهدوء الكبير – تكلمنا عنها في مقال سابق - التي تهتم بعلاج وتلطيف الشروخ النفسية والروحية والعقلية للمجتمع الغربي المكتوي بلهيب السياقات والمناخات المادية الجارحة من خلال الاستعانة بآليات وطقوس ممارسة الـ يوغا الجماعية مصحوبة بالترانيم الموسيقية الهادئة في الحدائق والساحات العامة، وحتى داخل صالات كبرى الشركات العالمية، نعرج اليوم للتعريف بحركة اجتماعية، ومنظمة غير ربحية أخرى نشأت في استراليا تحت مسمى تساؤلي فضولي:"هل انت بخير؟"، هدفها الحد والمنع من ازدياد عمليات الانتحار في المجتمع الاسترالي من خلال تشجيع الناس على إجراء حوارات ومحادثات ونقاشات هادفة ذات معنى لدعم الأشخاص الذين قد يواجهون أو يعانون من تموجات صعود وهبوط وانتكاسات في حياتهم اليومية المجتمعية و الخاصة. تأسست منظمة "هل أنت بخير؟" في عام 2009 بواسطة شاب استرالي طموح يدعى غافين لاركين (Gavin Larkin)، الذي أراد أن يحي ذكرى والده باري لاركين (Barry Larkin) ، الذي أنهى حياته منتحرا بشكل مأساوي في عام 1995، مما كان له تأثيرا عميقا في نفس ابنه غافين، فدفعته هذه الحالة المأساوية إلى البدء في تأسيس منظمة اجتماعية غير ربحية، يتم من خلالها منع الكوارث المماثلة من حوادث الانتحار والحفاظ على حياة الناس النفسية والعقلية من خلال إثارة وتنشيط المحادثات بين الاستراليين التي يمكن أن تحدث فرقا لديهم بمنعهم من الإقدام أو حتى التفكير في الانتحار، بتعزيز المحادثات حول الصحة العقلية لديهم. مع ملاحظة أنه – للأسف - لا توجد تفاصيل محددة على نطاق واسع حول حياة باري لاركين الوالد، بما في ذلك مهنته أو خلفيته الشخصية، موثقة في المصادر العامة. فكان تركيز وسائل الإعلام الاسترالي بشكل رئيسي على المبادرة نفسها وجهود الابن غافين لاركين لاستخدام مأساته الشخصية كوسيلة لمساعدة الآخرين ونشر الوعي حول أهمية دعم الصحة العقلية. فتسلط قصة انتحار باري لاركين الضوء على الصراع الخاص الذي يواجهه العديد من الأفراد الاستراليين مع قضايا الصحة العقلية والآثار المترتبة على صراعاتهم مع عائلاتهم ومجتمعاتهم. فهي بحق تعتبر تذكيرا مؤثرا بأهمية الاهتمام ببعضنا البعض وتقديم الدعم للمحتاجين. ولتبني الفكرة وانجاحها استخدم غافين لاركين قصة والده وتجاربه الشخصية بالخسارة والحزن لتغذية حوار أوسع حول الصحة العقلية والفعل البسيط والمؤثر لطرح سؤال على شخص ما: "هل أنت بخير؟"، بحيث يشكل هذا السؤال حجر الزاوية في المبادرة، مما يؤكد على قوة الاتصال الشخصي وأهمية التواصل قبل حدوث الأزمات. وعلى الرغم من أن إرث باري لاركين قد تميز بالمأساة، إلا أنه تحول إلى حملة تنويرية استباقية لمنع الانتحار والتوعية بالصحة العقلية، لتجد صدى كبيرا في جميع أنحاء أستراليا، وعلى المستوى العالمي أيضا.

لذا، تفاعلا وتبنيا لرؤية ورسالة المنظمة، اعتمدت استراليا يوما وطنيا توعويا تحت مسمى فعالية "هل أنت بخير؟"، ليكون حدثا سنويا يقام في الخميس الثاني من شهر سبتمبر من كل عام. يعتمد كيوم وطني للفعل، يذكّر الناس بضرورة سؤال العائلة والأصدقاء والزملاء والغرباء أيضا، السؤال البسيط لكنه الهام: "هل أنت بخير؟"، ليتحول هذا اليوم ويكون محوريا في تعزيز الوعي المجتمعي والدعوة للصحة العقلية ومنع الانتحار. وتؤكد المبادرة على أن المحادثة الهادفة والذكية قد تغير حياة شخص مهما كان مركزه أو وظيفته أو مكانته الاجتماعية، أو المالية، وتروج للفكرة بأن الأسئلة البسيطة والمهتمة والاستماع بتركيز يمكن أن يوفر دعما كبيرا للأفراد الذين قد يواجهون تحديات صحية عقلية. الرسالة من حركة "هل أنت بخير؟"، هي أنك لا تحتاج إلى أن تكون خبيرا للاطمئنان على شخص ما، فقط كن صديقا جيدا ومستمعا رائعا.

ومع مرور الزمن، طورت المنظمة من الموارد والارشادات حول كيفية سؤال شخص ما إذا كان بخير؟، بمعنى ماذا تقول له، وكيف تستمع إليه، وماذا تفعل معه إذا لم يكن شخصا ما بخير. فقد تم تجميع كل هذه الموارد والخبرة في التعامل مع المأزومين لتكون متاحة على موقعهم الإلكتروني، هادفة إلى تمكين الأفراد من الشعور بالراحة والثقة في إجراء محادثات ذات معنى. وقد اتسعت المشاركة المجتمعية وتأثيراتها بتشجيع الجميع على إنشاء مجتمعات تدعم وتعزز الاتصال بين الافراد، لتشمل المدارس وأماكن العمل الحكومية والخاصة، والنوادي والمنتديات، والجمعيات الخيرية للصحة النفسية والعقلية، ونوادي رجال الأعمال، والمجتمع الاسترالي بشكل أوسع، لتنفيذ استراتيجيات تشجع على المحادثات المنتظمة وذات المعنى بين أعضائها، والشركاء التجاريين. فتساعد هذه الشراكات على تضخيم الرسالة، والوصول إلى المزيد من الأشخاص، ودمج الحملة في بيئات مختلفة حيث يكون الدعم للصحة العقلية حاسما.

كما لعب القطاع الإعلامي دورا محوريا بإطلاق مجموعة متنوعة من الحملات الإعلامية لنشر رسالة حركة "هل أنت بخير؟"، لتشمل الإعلانات الخدمية العامة، وصناعة المحتوى عبر الإنترنت، والحملات التفاعلية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تجذب المجتمع وتنشر الوعي. كما تنشط الحركة أيضا في جهود الدعوة والبحث لفهم ومعالجة القضايا المحيطة بالصحة العقلية والانتحار بشكل أفضل. كما تواصل المنظمة توسيع تأثيرها، ملفته الانتباه ليس فقط داخل أستراليا، بل حول العالم الوسيع، مشجعة الناس على البقاء متصلين وإجراء محادثات وجها لوجه بانتظام إما بالتواجد شخصيا في مكان ما أو من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي. إنها تذكير بقوة التحقق من شخص ما عن حالته العقلية، والتي يمكن أن تكون ذات معنى خاص خلال أوقات الضغط والعزلة، أو عندما يمر شخص ما بفترة صعبة. وقد نمت الحركة وتطورت بشكل ملحوظ منذ تأسيسها، لتتحول إلى حركة تستخدم قوة المحادثة لمنع الانتحار وتعزيز الصحة العقلية. وقد توسعت الحملة لتتجاوز يوما واحدا "هل أنت بخير؟" من الفعاليات في شهر سبتمبر من كل عام – كنقطة محورية في المنظمة، إلى تشجيع الأفراد على المحادثة المستمرة طوال العام. ليهدف هذا النهج إلى بناء عقلية دائمة للدعم المجتمعي واليقظة، بدلا من تحديد الاهتمام بالصحة العقلية في يوم واحد فقط.

كما تقدم الحركة جلسات تدريب وورش عمل مصممة لتعليم الأفراد، وقادة المجتمع، والمحترفين كيفية التعامل مع المحادثات الحساسة حول الصحة العقلية. فتتم تهيئة هذه الوحدات وورش العمل التدريبية لجماهير مختلفة، بما في ذلك أماكن العمل، والمدارس، والنوادي الرياضية، ومجموعات المجتمع، مما يوفر أدوات واستراتيجيات لجعل هذه المحادثات أكثر فعالية ودعما. كما تستثمر حركة "هل أنت بخير؟"، في البحث والتطوير بعمل ابحاث ودراسات علمية رصينة، واستبيانات لسبر غور المجتمع لتقييم فعالية حملاتها ولفهم أفضل لكيف يمكن أن تمنع المحادثات حول الصحة العقلية الانتحار. فتستخدم المنظمة نتائج هذه الدراسات لصقل نهجها ومواردها، مع التأكد من أن استراتيجياتها مبنية على الأدلة وأفضل الممارسات في الصحة العقلية والاتصال.

ومن الاساليب الملفتة والجاذبة لها، تشارك المنظمة في نشر العديد من قصص النجاح والشهادات من الأفراد الذين شاركوا في المحادثات أو بدأوها بفضل رسالة "هل أنت بخير؟" وغيرت من حياتهم نحو الأفضل، فتوفر هذه القصص الشخصية والأمثلة الواقعية أرضية خصبة عن مدى قوة و كيفية مساعدة سؤال "هل أنت بخير؟" في تغيير أو حتى إنقاذ حياة الناس. وهي تشهد بقوة على فعالية وتأثير الحملة. واستجابة لزيادة استخدام الاتصالات الرقمية، عززت الحملة من جهودها الرقمية. فتستخدم المنظمة منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت، وأدوات تفاعلية لجذب الناس، وخاصة الفئات العمرية الأصغر. فتوفر موارد رقمية يمكن مشاركتها عبر الإنترنت، مما يوسع من نطاق وتكرار رسالتها. وتشارك المنظمة أيضا على مستوى الدعوة للتأثير على السياسة العامة المتعلقة بالصحة العقلية ومنع الانتحار، من خلال العمل مع صانعي السياسات، فتسعى المنظمة إلى إنشاء إطار تشريعي داعم يمكن أن يوفر موارد صحة عقلية أفضل وأنظمة دعم على المستوى الوطني والمجتمعي.

وقد اختارت الحركة شعارا معبرا وجذابا لها تحت عنوان "محادثة قد تغير حياة". ليُبرز هذا الشعار المهمة الأساسية للمنظمة، والتي تهدف إلى تشجيع الناس على إجراء محادثات ذات معنى قد تمنع الانتحار وتدعم الأشخاص الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية. وقد تم اختيار اللونين الأصفر والأسود لموقع الحركة الالكتروني، وأيضا في مواد العلامة التجارية لها. والسبب أن اللون الأصفر غالبا ما يُرتبط بالدفء، والإيجابية، والوضوح، مما يتماشى مع هدف المنظمة في تعزيز رسالة ودية ومتفائلة حول الصحة العقلية والتواصل. أما اللون الأسود فيوفر تباينا قويا مع الأصفر، مما يجعل النصوص والعناصر الأخرى ذات وضوح وتأثير عالي. هذا التركيب اللوني يضمن أن تكون الرسالة بارزة ومُلفتة للنظر، وهو أمر حيوي لحملة تركز على الوعي والتفاعل. كما يساعد اللون الأصفر الزاهي أيضا في جذب الانتباه إلى المبادرة، مما يعزز إحساسا بالطاقة والأمل.

ولمعرفة المزيد عن حركة "هل أنت بخير؟" ونشاطاتها المختلفة يمكن النقر على الرابط أدناه:

https://www.ruok.org.au/

ولكن قبل أن أختم المقالة لابد من التعريج على بعض المفاهيم الوحيانية والاقتباس من تعاليم النبي محمد صل الله عليه وسلم – معلم الناس الخير - في دعم الجوانب النفسية والمجتمعية من خلال انتقاء بعض الاحاديث النبوية – وهي كثيرة - التي تدعم السلامة النفسية والروحية، حيث يشجع ويحث النبي محمد صلى الله عليه وسلم على التواصل الاجتماعي الإيجابي ودعم بعضنا البعض، مما يساهم في تخفيف التوتر وتحسين الصحة العقلية والنفسية. 

وهذه بعض الأحاديث النبوية التي تدعم رسالة حركة "هل أنت بخير؟". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة." (صحيح مسلم). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم." (صحيح مسلم). قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس." (صحيح البخاري). عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه." (سنن الترمذي). عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر." (سنن الترمذي). هذه الأحاديث تسلط الضوء على أهمية العلاقات الإنسانية والتواصل الاجتماعي في تعزيز الصحة النفسية والعقلية، وتعلمنا كيف يمكن للمسلمين وغير المسلمين من التقرب من بعضهم البعض ودعم بعضهم البعض في أوقات الشدة والحاجة. 

واختم بحديث غاية في الأهمية في اظهار عمق اهتمام الإسلام بالتعاون والتكافل الاجتماعي. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهراً"( صحيح الجامع) ، يُبيّن أهمية مساعدة المسلم لأخيه المسلم في حاجته، وأن ذلك له فضل كبير قد يتفوق حتى على الاعتكاف في المسجد لمدة شهر. وهذا يُظهر كيف يعزز الإسلام روح التعاضد والترابط بين الأفراد في المجتمع.

ليت الاستراليين والحيارى من أهل الشرق والغرب من الاطلاع عليها وتبنيها في حلهم وترحالهم.

💓 1
Comments (11)
      • شكرا دكتور فتحي على مداخلتك الصوتية معلقا على المقال واهمية الموضوع المطروح، كما استمعت ايضا إلى السؤالين بخصوص مدى ارتباط مبادرة "هل أنت بخير؟" بعملية تقليل نسب الانتحار لدى المجتمعات التي تبنت الفكرة – وهنا تحديدا المجتمع الاسترالي -، وكذلك هل لعبت المبادرة في زيادة نسبة تشخيص الأمراض العقلية/النفسية كالإكتئاب مثلا لديهم.

        الحقيقة الاجابة على هذين السؤالين تحتاج إلى دراسات وابحاث علمية ميدانية تقوم بها المراكز البحثية الرصينة للوقوف على هكذا تساؤلات مهمة - أنا شخصيا ليس عندي اجابة. لكن بالعموم الحملة نجحت إلى حد كبير في زيادة معدل الوعي المجتمعي بقضايا الصحة العقلية والنفسية، كما نجحت ايضا في اقناع الكثير من الناس إلى اهمية الانخراط في حوارات ومحادثات هادفة تستهدف كل من يمر بضائقة شخصية، وحمايته من التفكير أو الاقدام على الانتحار. فالابحاث التي عملت حول المبادرة تشير إلى أنها قد عززت المعتقدات والنوايا والسلوكيات المساعدة بين الأستراليين، خاصة فيما يتعلق بالرغبة في التواصل ودعم الآخرين الذين قد يكونون يعانون ويمرون بأوقات صعبة وحرجة. ومع ذلك، فإن دور المبادرة في التشخيص النفسي الرسمي أو الكشف السريري أقل مباشرة، حيث تركز أكثر على الدعم المجتمعي والوعي بدلاً من التدخل السريري. فالحملة ليس لها علاقة مباشرة بالقضايا السريرية المتعلقة بتشخيص الأمراض النفسية والعقلية.

        وقد أشار المقال إلى أن الحملة اعتمدت في الدعاية لها نشر الكثير من القصص والشهادات الحية عن أفراد كثر استفادوا من تجربة الحوار، وصححت من مسارات حياتهم لتكون أكثر صحية وعافيوية من ذي قبل.

        على العموم الموضوع في رأيي مهم وجدير بالدراسة والبحث.

        شكرا د. فتحي على تفاعلك الايجابي،، وديمه طيب يا طيب.

        • 💓 1
        • سؤالي الآخر إذن: هل يمكن إيجاد معايير يمكن استخدامها لقياس مدى تأثير هكذا مبادرات (إيجابًا أو سلبًا) على المجتمعات التي تتبناها؟

          • شكرا مرة ثانية د. فتحي على التفاعل. سؤالك في الحقيقة ينبني عليه تصميم مشروع بحثي وطني على مستوى المجتمع ككل. في الحقيقة، نعم، يمكن إلى حد بعيد إيجاد معايير محددة لقياس تأثير مبادرة"هل أنت بخير؟" سلبا أو إيجابا على المجتمع الذي يتبناها، وذلك من خلال عمل دراسات تقييمية منظمة تشمل الاستبيانات الافقية الواسعة لتغطية اكبر شريحة ممكنة من الناس، واجراء المقابلات الرأسية لتغطية أكبر عدد من صناع القرار والفاعلين في المبادرة، بالإضافة إلى تحليل البيانات الكمية والنوعية لتحديد فعالية المبادرة بشكل دقيق، على ان تصمم هذه الاستبيانات والمقابلات، و دراسات سبر الغور من خلال توجيه أسئلة مغلقة ومفتوحة لقياس ومعرفة معدلات الوعي والمشاركة في الحملة، رصد التغير في سلوك الأفراد مثل زيادة الرغبة في الاستشارة النفسية وطلب العون عند الحاجة والشعور بالقلق. كما يمكن ايضا معرفة تأثير المبادرة على مؤشرات الصحة النفسية من خلال تسجيل معدلات الانتحار مقارنة بما قبل اطلاق الحملة وبعدها. ولا يتم كل ذلك ما لم يكن هناك تقييمات دورية من خلال ما قلنا الاستبيانات والمقابلات وتحليل البيانات الضخمة من خلال قواعد بيانات منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من قواعد البيانات لمعرفة اذا ما كان تأثير المبادرة ينحو نحو الايجاب أو السلب. موضوع قياس مؤشرات الآداء لأي منظمة أو مبادرة هو موضوع حيوي ومهم لمعرفة تحقيق الاهداف الاستراتيجية للمشروع من عدمه. موضوع قياس مؤشر الآداء يحتاج إلى عمل جبار تتظافر فيه جميع جهود المؤسسات المعنية باطلاق المبادرة ورعايتها. فمن خلال نتائج هذه الابحاث يتم بعدها تصويب المسارات المستقبلية للمبادرة. هذا، والله اعلم واجل

          • مقالة رائعة وتذكرنا بمسؤوليتنا تجاه اصداقائناواخوتنا واخواتنا وأبنائهم وأبنائنا .اعندي سؤال لما نسأل هل انت بخير لشخص نعتقد انه ليس بخير والإجابة تكون بالتاكيد انه ليس بخير ماهي الخطوات التالية لذلك ؟.لانه العجز على المساعدة او تقديم يد العون بمجرد تاكيد انهم ليسو بخير في أحيان كثيرة يزيد من الشعور بالذنب والمسؤلية وجزاك الله كل خير

            • 1
            • شكرا اختي سمية على قراءة المقال، والتفاعل بطرح السؤال الحيوي اعلاه. في تصوري لن تكون هناك اجابة موحدة لسؤالك، وذلك لتنوع المشكلات من شخص لآخر (الحياة مليئة بالأحداث،، وهي مختصرة في قوله تعالى: "إن سعيكم لشتى")، وأيضا لاختلاف شخصية المحتاج (رجل – أمرأة،، شاب – فتاة،، - كبير - صغير ،، متعلم – أقل تعلما،، يشتغل - عاطل عن العمل،، طالب - موظف،، ... الخ)،، بالإضافة لاختلاف وقت الحاجة ايضا. بمعنى ان الشخص الذي يمر بأزمة ما في وقت معين ، قد يمر بأزمة أخرى في ظروف زمنية أخرى وبنوعية مختلفة عن سابقتها،، وهكذا دواليك. فكل هذه العوامل والابعاد المتنوعة والديناميكية المتغيره، وغيرها من العوامل الأخرى لها وزن وتأثير حاسم في استحالة ان تكون هناك اجابة واحدة محددة تصلح للجميع، بمعنى لا يوجد حل سحري يناسب الجميع (one size does not fit all) ، ولكن الخبرات المتراكمة في هكذا مبادرات اجتماعية تشير إلى بعض الخطوات العملية التي يمكن اتخاذها. فمثلا تلفت مباردة "هل أنت بخير؟" الانتباه إلى أنكي لا تحتاجي إلى أن تكوني خبيرة للاطمئنان على شخص ما، فقط كوني صديقة جيدة ومستمعة رائعة، فالخطوات التي يمكن اتخاذها لتقديم المساعدة تكمن بالضرورة في الاستماع بتعاطف وتسخير كل المشاعر نحو المحتاج، وطلب المزيد من التوضيح عن المشكلة ومعرفة ما يحتاجة بالضبط دون ان تكون الاسئلة جارحة أو ناقدة. وقد تتطلب مساعدة المحتاج إلى الاستعانة بجهة أو مؤسسة متخصصة أو اشخاص محترفين كالأطباء النفسيين والاستشارين الاجتماعيين أو غيرهم. كما يلعب عنصر المتابعة والتواصل مع الحالة إلى ما بعد انقضاء الأزمة إلى زيادة معدل نجاح المساعدة.

              وقبل هذا وذاك لابد ان يتأكد الشخص المساعد ويكون على دراية بامكاناته وقدراته وحدوده التي يستطيع ان يقدم فيها يد العون والمساعدة حتى لا يصاب بالارهاق والتعب والعنت. وقبل أن اختم ردي هذا يجب ان الفت الانتباه اننا في هذه الحقبة التاريخية من الزمن، ان احتياجات المجتمعات الغربية يختلف غالبا عن احتياجات المجتمعات الشرقية، واقصد دولنا العربية بالتحديد. فالمجتمعات الغربية تعرف بأنها مجتمعات الوفرة والرفاه مقارنة بمجتمعاتنا التي تعاني من الفقر والاضطرابات السياسية والحروب المسلحة وغيرها من المشاكل.

              ولكن اهم ما يميز المجتمعات الغربية عن مجتمعاتنا نحن أهل الشرق - والتميز هنا ليس بالضرورة بالمعنى الايجابي – هو انتشار ما يعرف بظاهرة الشعور بالوحدة والعزلة (loneliness)، لدى المجتمع الغربي، فهي ظاهرة تعاني منها شريحة كبيرة من المجتمع الغربي، ليس هنا محل نقاشها والوقوف على اسبابها. لكن احتياجات الشعور بالوحدة والعزلة يختلف عن الاحتياجات المادية التي يطلبها كثير من الناس اليوم. فالشعور بالوحدة والعزلة له آثار سلبية مرعبة وقاتلة غالبا ما تنتهي بأمراض نفسية وعاطفية وعقلية، وفي مقدمتها الاكتئاب الذي غالبا ما يذهب بصاحبه للتفكير أو الاقدام على الانتحار والتخلص من حياته.

              سامحيني، شعرت اني طولت في الاجابة لكن كما المحت سابقا موضوعة الفراغ النفسي والروحي التي تعاني منه المجتمعات الغربية والحلول المطروحة لعلاجه من خلال مبادرات اجتماعية جماعية مثل (حركة الهدوء الكبير، ومبادرة هل أنت بخير؟) وصل إلى مراحل متقدمة يصعب معالجتها او التقليل من حدتها على الاقل في المدى المنظور، ما لم يتم الاتجاه نحو تغيير النموذج والتفكير الغربي، وهو ما يعرف بمرشاد التفكير الثنائي لديهم المؤسس على ثنائية (الانسان ،، الكون)، وهو نموذج مادي جارح إلى تبني النموذج أو مرشاد التفكير الثلاثي الاسلامي المبني على ثلاثية (الله، الانسان، الكون)، وهو النموذج الذي يوازن بين ثلاثية (الجسد- الروح – العقل) بتصويب وحياني، وهدي محمدي.

               مرة ثانية اشكرك على القراءة والتفاعل مع المقال،،، تحياتي.

              • 2
              • شكرا مرة اخرى د. فتحي على مداخلتك الصوتية الرائعة. لقد استمعت إليها باهتمام بالغ، واسجل موافقتي التامة على كل ما ذكر مع اضافة بعض المعلومات حول اطول دراسة عملت في التاريخ الحديث، تسمى دراسة هارفارد لتنمية الكبار (The Harvard Study of Adult Development)، وهي واحدة من أطول الدراسات المستمرة إلى يومنا هذا حول حياة البالغين والكبار. فالدراسة قدمت رؤى عميقة حول ما يساهم في حياة سعيدة وصحية على مدار تقريبًا قرن من البحث. بدأت هذه الدراسة في عام 1938 وشملت في الأصل مجموعتين من الرجال من خلفيات متنوعة: طلاب جامعة هارفارد وشباب محرومين من أحياء بوسطن الفقيرة. مع تقدم الدراسة، تم توسيعها لتشمل زوجات وأبناء المشاركين، وأصبحت في نهاية المطاف تشمل أكثر من 1300 من النسل المباشر للمشاركين الأصليين. أحد النتائج الرئيسية من الدراسة هو الدور الحاسم للعلاقات في تعزيز الصحة والرفاهية والسعادة. فأظهرت الأبحاث باستمرار أن العلاقات القوية والداعمة ضرورية ليس فقط في تحسين السعادة، ولكن أيضًا في تعزيز الصحة الجسدية. حيث وجد أن الأشخاص الذين كانوا الأكثر رضا عن علاقاتهم في عمر الخمسين كانوا هم الأصحاء في عمر الثمانين. ويمتد هذا الرابط إلى ما هو أكثر من الصحة العاطفية؛ فالعلاقات الاجتماعية الجيدة أظهرت أنها تحمي الصحة الجسدية أيضا، مقللة من خطر الأمراض المزمنة وإبطاء التدهور العقلي والجسدي. وقد انتشرت مقاطع ومحاضرات كثيرة في اليوتيوب ومنصة تيد توك لشرح هذه الدراسة الطويلة تحت عناوين مختلفة منها على سبيل المثال: محاضرة تحت عنوان "سر الحياة السعيدة – دروس من 8 عقود من البحث"، لأحد الباحثين الرئيسين ويدعي روبرت والدينغر (Robert Waldinger)، تجدها على الرابط التالي:

                https://www.youtube.com/watch?v=IStsehNAOL8&t=1530s

                وقد نوهت الدراسة إلى نقطة مهمة وهي ان العلاقات الاجتماعية ليس بالضرورة تكون ناجحة بكثرة العلاقات وتنوعها،،، يكفي فقط ان يكون في حياة الانسان شخص واحد يستمع إليه ويشاركه همومه وبرامجه ومشاريعه وتطلعاته الحياتية،، على قولة العرب (الخل الوفي). خل وفي واحد فقط يمكن أن يلعب دورا رئيسيا ومهما أكبر من كثرة العلاقات الاجتماعية السطحية (على قولتك، كيف اللي صاير عندنا في ليبيا).

                أما عن ذكرك لمؤشر السعادة المعتمد لدى بعض الدول الغربية واهميته لديهم، فقد عمدوا إلى انشاء وزارة باسم وزارة السعادة، اعتقد انها موجودة أيضا حتى في دولة الامارات، ترأسها وزيرة على ما اعتقد. وبنظرة فاحصة إلى مؤشرات السعادة الستة المعتمدة نجدها كلها مؤشرات مادية بالضرورة. على العموم الحياة الطيبة والسعادة ينشدها الجميع بالفطرة، لكن نيلها ليس باليسير والسهل لتعقد الحياة المعاصرة وانغماسها في المادية الجارحة المتمثلة في قوانين الربح والخسارة. وللمزيد عن مؤشر السعادة العالمي يمكن النقر ع الرابط التالي:

                https://worldhappiness.report/

                وقبل أن اختم، احب ان اعلق على موضوع النموذجين أو المرشادين التي ينطلق من تحت عباءتهما رؤية واهداف ومسارات الناس قديما وحديثا في الحياة الدنيا. المرشاد الثنائي الغربي،، والمرشاد الثلاثي الاسلامي، وهذان النموذجان يعكسان عمق القضايا المفاهيمية الكبرى لدى الانسان. فمن خلال اعتماد احدهما كنموذج ومرشاد في الحياة، يتشكل - بعد ذلك - ما دونهما من المسارات والتطبيقات والقناعات وغيرها. لكن إذا نظرنا إلى المرشاد الثلاثي وانعكاسه في حياة المجتمعات الشرقية (وهنا تحديدا العربية الاسلامية)، فنجد باختصار ان النموذج الثلاثي لم يلامس شغاف قلوب كثير من أناس الشرق. وفي المقابل، ولا هم انغمسوا بالكلية في المرشاد الثنائي، فأصبحوا في منزلة بين المنزلتين، نتج عنها حيرة نكدة، وحياة ضنك، قد تشابه احيانا حياة الغربيين التي تعاني في جوانبها الروحية والنفسية كما اشرنا في المقالات السابقة.

                وفي الختام، انصح القارئ الكريم بالإطلاع على المزيد عن علم النفس الاسلامي، وما يحويه من تحليلات وتفسيرات حول النفس والروح والعقل، وحدود التداخل والتباين بينهم، ومصطلحات ومفاهيم اخرى مهمة: كالصبر، والسكينة، والسعادة، والرضا، وغيرها. كل هذا يمكن متابعته من خلال بودكاست سكينة للدكتور السعودي خالد الجابر المتخصص في دراسات علم النفس. رابط بودكاست سكينة تجدوه على الرابط التالي:

                https://www.youtube.com/hashtag/%D8%A8%D9%88%D8%AF%D9%83%D8%A7%D8%B3%D8%AA_%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86%D8%A9

                مرة ثانية اشكرك اخي الدكتور فتحي على اعطاء المقالات مذاقا خاصا بمداخلاتك القيمة، التي تحثني على البحث والتدقيق اكثر واكثر لتقديم مادة علمية يستفيد منها القارئ الكريم. يعطيك العافية.

                • 💓 1
                • أحسنت في الرد والتفصيل بسوطة. ردك هذا يستحق أن يكون مقالًا منفصلًا.

                  واستوقفني بالخصوص قولك: "وقد نوهت الدراسة إلى نقطة مهمة وهي ان العلاقات الاجتماعية ليس بالضرورة تكون ناجحة بكثرة العلاقات وتنوعها،،، يكفي فقط ان يكون في حياة الانسان شخص واحد يستمع إليه ويشاركه همومه وبرامجه ومشاريعه وتطلعاته الحياتية،، على قولة العرب (الخل الوفي). خل وفي واحد فقط يمكن أن يلعب دورا رئيسيا ومهما أكبر من كثرة العلاقات الاجتماعية السطحية."

                   صحيت بسوطة وفي انتظار مقالة أخرى.

                  • 💓 1
                • مقال مفيد بارك الله فيك

                  لاشك عندي عن تجربة عشتها ان الحياة تحت رعاية الله وعنايته ( فإنك بأعيننا ) تزيل عنك كل شعور بالاحباط بل في قراءة كتاب الله عزوجل والتدبر فيه مايبعث في نفسك السعادة والنشوى وعلو الهمة والامل

                  اكثر من مرة اتفكر في حال اهل الغرب واقول في نفسي هؤلاء لديهم من العقول بعد هداية الله عز وجل ستوصلهم الى معرفة دين

                  مشكلة الناس في بلادنا الذين هم بعيدين عن الله عزوجل

                  ان الاوباش لايعطونهم فرصة للانتحار فإما يقتلونهم او يسجنونهم او يخرجونهم😂 فلاسعادة ولا انتحار حتى يرجعوا الى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم

                  بإختصار السعادة الحقيقية التي تشمل الدارين في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

                  • 💓 2
                  • مرحبتين ياشيخ إدريس، وشكرًا على مداخلتك القيمة وقد يختصها بيت الشعر القائل ( ولا أذكر من صاحبه):

                    بتنا على ظمئ وفينا المنهلُ…وحي النبوة والكتاب المنزلُ

                    • 1
                  Login or Join to comment.