أنا المركز!!!

“لنفسي”… كل ما يدور حولي، وما أدور أنا فيه، أنا مركزه.

ما ضرّني إن هلك الكون طالما أنا سليم؟ وما نفعني إن سلم الكون إن هلكت أنا؟

بعيدًا عن المجاملات والمثالية المصطنعة، وتلك العبارات المعلبة: “الناس بالناس”، “الخير يعم”، وغير ذلك… الحقيقة أني أنا المركز. أنا المحور.

نيتشه قالها بوضوح:

“أحب نفسك، لا تنكرها، لا تتنازل عنها لأجل قيم لم تخترها أنت.”

أتذكّر حين كنت في أوائل العشرينات، تفيض نفسي بالآمال والتطلعات، زرت جدتي – أم أبي – في الزاوية، تقيم في بيت عمي، تجاوزت المائة، وكانت جلستها في مدخل الغرفة، وكأنها تترقب من يدخل لها ليراها، تحيطها السكينة، مسبحتها لا تفارق يدها، تُسمعك من شفتيها: “سب… سب…” حتى لو لم تفهم ، في ما يخرج من صوتها لتكرارها: “سبحان الله”.

حين قلت لها: “أنا عبدالكريم”، رفعت رأسها وسألت: “عبدالكريم المختار؟”

قلت: “نعم”.

فانهالت بالدعاء لوالدي كما لو كانت تستنزل من كنز محفوظ في صدور الأمهات الصالحات. وكنت أغبطه، بل أحيانًا أغار من كمّ الخير الذي يُسكب عليه بدعائها كلما ذكرت اسمه.

سألتها سؤالًا أردت منه أن أعرف:

ماذا يشغل إنسانًا تجاوز المائة؟

ما الذي يبقى من اهتمامات الدنيا؟

فقالت بهدوء:

“لا يشغلني شيء في الدنيا… إلا هذه الذبابة التي تطير وتحط على أنفي، إن استطعت أن تقتلها أو تطردها أكون لك ممتنة.”

ذهلت!

أنا… مشغول بالمستقبل، بالتعليم، بالمال، بالبنون، وهي تلخص الدنيا كلها في ذبابة تُعكّر عليها قيلولتها!

شعرت أني صغير، أمام حكمة بسيطة اختزلت الفارق بين من يعيش اللحظة، ومن يغرق في وهم الامتداد.

نعم… أنت إذا كنت بخير، بصحة وعافية، وعقل سليم، فزيادة غيرك لا تفيدك، ونقصه لا يضرك.

كم من شخص ظننا أن موته سيكون نهاية العالم… مات، وبقي العالم. بل تمتع الناس بالحياة كما لو لم يكن بينهم يومًا.

وكم من شخص كان قويًا معتمدًا عليه، فلما سقط مريضًا تنكّر له القريب قبل البعيد.

لا والد، ولا ولد… إن لم تُقدّر نفسك، فلن يُقدّرها أحد.

يقول المثل الليبي:

“اللّي يبدي على روحه سفيه.”

كن أنت، لنفسك، قبل أن تكون لغيرك.

عِش اللحظة، عِش اللحظات، عِش عمرك، لأجلك، ما دمت على طاعة الله.

انتهى

💓 1
التعليقات (3)
    • أحسنت كرومة. ممكن تشرح لي " اللي يبدي على روحة سفيه" للأسف مافهمتهش...وممكن تعمل تسجيل لو أسهل. بوركت.

      • اللي يؤثر الناس ويحرم نفسه حتى تتذى حشاكم

        • 1
        • شكرًا دروسة على التوضيح...فعلا هناك بعض الناس ينتهي بهم الأمر كذلك، ولكن السؤال ماهو الخط الفاصل الذي يجب أن يتوقف عنده الإنسان لكي لاتأسره الأنانية وفي نفس الوقت لاينزلق إلى السفاهة؟