القريـــة القريــة...العقــل العقـــل!
المجتمعات القروية عادة ما تكون منغلقة على نفسها، محكومة بثلاثي صارم: العادات، التقاليد، والدين. وقد يبدو هذا الالتزام إيجابيًا في ظاهره، لكنه غالبًا ما يكون على حساب الحرية والإبداع والتغيير.
فالتغيير هو المحرك الحقيقي للحياة، به ترتقي المجتمعات، ويزدهر الإنسان. أما في بيئة ترى كل جديد بدعة، وكل مختلف مرفوضًا، فلن تجد إلا الجمود والركود… بل والموت الفكري.
كم سمعنا من العبارات القاتلة:
“هذا ما وجدنا عليه آباءنا”
“لا تبدّع في الدين”
“استقم كما أُمرنا”
حتى صار التغيير خروجًا على الملة، والاختلاف جريمة!
ومن هنا كان الهروب حلًا. فإما إلى المدينة، حيث الفردانية والتنوع والتعدد، أو إلى تيارات مضادة تسعى للتمرد، حتى وإن لم تكن محمودة، فتراهم يتطرفون في اللباس والبنيان والديكور، أو في الدين حتى الغلو، كمثل ذاك الذي يُلصق قدمه بقدم المصلين ومنكبه بمنكبهم، ثم إذا كبّر للصلاة، قرأ البقرة وآل عمران، غير مكترث بمشقة الناس!
وحين تسأله عن حكم ترك الخلل في الصف، يتلعثم…
ولا يلتفت لحديث الحبيب:
“إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة…”
المدينة تعني المدنية… تعني أن تفهم أن:
“كل نفس بما كسبت رهينة”
وأنك ستُبعث فردًا، لا كقبيلة، ولا كعائلة.
وحين تعيش مع غير المسلمين في بلاد الغرب، تتسع رؤيتك. تدرك أن صورة الإسلام الحقيقية ليست في كثرة الركعات، بل في حسن المعاملة، والإحسان، وقبول الآخر.
يروي لي صديق قصة جميلة:
كان له صديق يُدعى “خليفة”، يعمل في إحدى شركات النفط، وكان مبتلى بشرب الخمر والزنا – عافاه الله – لكنه كان بشوشًا أمينًا حسن المعشر. لازمه خبير أوروبي أعجب بأخلاقه، فبدأ خليفة يدعوه إلى الإسلام.
وذات يوم، قرر الخبير الدخول في الإسلام. دخل مسجدًا في القرية، وطلب أن يعلن الشهادة، فرح الناس، وطلبوا من الفقيه أن يلقنه الشهادة.
وبعد أن نطقها، توالت عليه التعليمات:
“اغتسل وتوضأ… صلِّ الصلوات الخمس في المسجد… اترك الخمر والنساء…”
ثم سأله أحدهم:
“هل أنت مختون؟”
قال: “لا”
فقال له: “تحتاج إلى الختان، وسنسأل الشيخ عن الطريقة…”
هنا انفجر الرجل وقال:
“أنا أريد إسلام خليفة… مش إسلامكم!”
أنا بالطبع لا أؤيد معاصي خليفة… لكني في ذات الوقت لا أقبل قسوة الفكر القروي الذي لم يُمهل الرجل حتى يتذوق حلاوة الإيمان، كما أوصى النبي الكريم حين قال:
“إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق…”
الفكر القروي فكر جماعي… متشدد… طارد.
وليس غريبًا أن تأتي معظم التحذيرات الإلهية في القرآن موجهة للقرى، حتى قال رسول الله:
“خِيار أمتي في المدن”
لست ألوم من وُلد في قرية، فليس ذنبه.
لكنني أدعو لتحرر الفكر من ثالوث الجمود:
العادات، التقاليد، والدين — لا برفضها، بل بالتخفيف من الغلو فيها.
القرية تحتاج إلى عقل…
والدين لا يحتاج إلى غلاظ الرقاب…
والتغيير ليس خيانة، بل فطرة.
انتهى
-
- · فتحي إدريس
- ·
الدين يجب أن يترك لأهل العلم الشرعي وليس للفلاسفة والساسة وإلا فسيصبح مثل "إسلام خليفة". أحسنت النشر اخي عبد الكريم!