سيرة أرطغرل بن سليمان شاه (٢)

الفرار من المغول إلى التاريخ

كان القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، هو قرن المغول بلا منازع. نجح جنكيز خان في توحيد قبائل المغول عام 1206م تحت سلطانه، ليبدأ في غزو جواره الآسيوي، وفي القلب منه الإمبراطورية الخوارزمية، التي كانت تهيمن على معظم أرجاء آسيا الإسلامية.

في الخمسين عامًا التالية، أحكمت الإمبراطورية المغولية قبضتها على أراضٍ تبلغ مساحتها أكثر من 23 مليون كم مربع، في وسط وجنوب وغرب آسيا، وأجزاء واسعة من أوروبا الشرقية، واجتاحتْ الكثير من حواضر العالم، وفي مقدمتها بغداد، عام 656هـ (1258م).

اتسَّمت الفتوحات المغولية بقدرٍ كبيرٍ من التوحش، والميل إلى السحق التام خاصةً للمدن والحواضر التي ترفض الخضوع، كما حدث لبُخارى وسمرقند وبغـ.ـداد بالطبع. دفعت تلك الوحشية، الكثير من قبائل آسيا الوسطى التركية للنزوح غربًا تجاه المناطق الأكثر أمنًا، خاصة الشام، وهضبة الأناضول في آسيا الصغرى، وكان من بين تلك القبائل، قبيلة الكاي، التي ينتسب إليها أرطغرل.

ورغم أن يد المغول لم تكن بعيدة تمامًا عن الأناضول، حيث امتدَّ نطاق سيطرتهم إلى شرق الأناضول حتى مدينة قيسارية، وفرضوا الجزية على مناطق ودويلات أناضولية عديدة، فإن نفوذهم كان يزداد ضعفًا كلما توغلنا في وسط وغرب الأناضول تجاه أراضي البيزنطيين.

كانت الإمبراطورية البيزنطية المتداعية في منتصف ذلك القرن، تحاول أن تنفض عن نفسها غبار نصف قرن من الاحتلال اللاتيني، والذي بدأ عندما انحرفت الحملة الصليبية الرابعة عن وجهتها، واستولت على القسطنطينية عاصمة البيزنطيين، ونهبتها عام 1204م.

نجح البيزنطيون عام 1261م في انتزاع القسطنطينية، وإعادتها عاصمة لهم، وأعقب ذلك انتعاشة قصيرة للدولة، استعادت فيها بعض مناطق الأناضول، مستغلةً حالة الضعف الشديد، والتفكك، التي آلت إليها دولة سلاجقة الروم أواخر ذلك القرن.

لكن لم تلبث تلك الاستفاقة أن تتبخر في السنوات التالية، نتيجة المصاعب الاقتصادية التي عانت منها الدولة، والأهم، نتيجة خطر وجودي جديد، بدأ يتشكل في شمال غرب الأناضول، على مسافة أيامٍ معدوداتٍ من القسطنطينية. هذا الخطر الذي امتزج في لحظة ولادته الصدفة البحتة، والحتمية التاريخية، والشجاعة، والنضال، وصراع الحضارات، وتجالد أهل الأديان.

المصدر: موقع الساسة بوست

 

Comments (7)
    • روعة ،تسلسل جميل لاحداث اروع

      •  علي مرسال  تاريخ تلك المنطقة من العالم لم يأخذ حقه في مناهجنا التعليمية..

        • صحيح ،احسنت

        • ما شاء الله، سرد تاريخي لحقبة مليئة بظلم الإنسان لبني الإنسان. نعايش بعضا من مشاهدها وفصولها في تاريخنا المعاصر. نسأل الله السلامة للناس أجمعين. شكرا على مشاركة هذه المادة التاريخية التي لم تاخذ حظها في مناهج التعليم كما أشار اخي فتحي.

          • اشكر مروركم…

            للأسف انا شخصياً بدأت مؤخرا بالاهتمام بالتاريخ بصفة عامة وتاريخنا بصفة خاصة ووصلت لقناعة ،التي لطالما حاول اقناعي بها اخي فيصل يرحمه الله، الا وهي ان التاريخ شيء مهم ومعرفته وفهمهنا له لهما دور كبير في صقل هوية الانسان وبناء شخصيته. لم أهتم بالتاريخ في السابق وذلك قد يكون اهمالاً مني ولكن اشعر يأن نظام التعليم كان قاصرًا لدينا ولم يدرسه لنا بطريقة تجعلنا نحبه ونفتخر به. تجد العالم الغربي يهتم بالتاريخ ويتفنن في طرق تعليمه ويفرض على كل الطلبة سواءً كان ميولهم علمية او ادبية على دراسة قدر كبير منه. الله المستعان. 

            • رحم الله فيصل بسيكري واسكنه فسيح جناته، آمين. نعم صدقتي دكتورة، لم نهتم بدراسة التاريخ،  ومادة التاريخ لم تلق حظها من الاهتمام المطلوب في المناهج التعليمية. ومادة التاريخ من أشكل واصعب المواد تدريسا وتعليما لأنها تخضع لمزاج وامانة كاتب ومدون التاريخ. هي ليست من المواد العلمية المجردة كالرياضيات والفيزياء مثلا، لا يمكن التلاعب بهما او الاختلاف عليهما. أما مادة التاريخ فيصعب تدوينها بحرفية ومهنية لاختلاف مزاج واطلاع وعلم وامانة المؤرخ نفسه او الناس المعاصرين للأحداث التاريخية. فمثلا الأحداث التي نعايشها في أيامنا هذه تروى وتدون بطرق مختلفة وأحيانا متضاربة، ولا أريد التطرق إلى مواضيع بعينها تدور حولنا حتى لا أسقط في فخ تسييس المنصة، كما حذرت منه انظمة التسجيل في منصة تجربتي. الحديث يطول وذو شجون. لعلنا يوما ما نفتح نقاشا عبر الزووم نستضيف فيه استاذ تاريخ كبير نناقش معه مسألة  التاريخ واهميته والضوابط الحاكمة في التدوين، وكيف يتم استخلاص العبر والمواقف للاستفادة منها في دنيانا وآخرتنا..   

              • فعلاً عبدالباسط، كتابة التاريخ بموضوعية وحياد أمر صعب ويحتاج إلى مهنية وحرفية عالية والابتعاد عن التسييس ويجتاج إلى مجرد سرد الأحداث، دون التطرق إلى تأويلها. والله أعلم. 

                Login or Join to comment.