من الذاكره
:
🌿من الذاكرة، تجربة واقعية في طريق الحياة
أكتب هذه السطور لا كقصة عابرة، بل كتجربةٍ تركت في نفسي أثرًا لا يُنسى.
ما زلت أذكر ذلك الصباح وكأنه البارحة، صباحٌ بدأت فيه رحلتي المعتادة إلى تورنتو بعد صلاة الفجر، ولم أكن أعلم أن تلك الرحلة ستُصبح علامة فارقة في حياتي، وأنها ستذكرني بمعنى القرب من الله، حين يضيق الطريق وتتسع السماء.
في كل فجرٍ جديد، كانت رحلتي اليومية تبدأ من ضاحية بيكرينغ متجهًا نحو قلب تورنتو، حيث تقع عيادتي الصغيرة في شرق يورك.
الطريق السريع 401 هو شريان كندا النابض بالحياة والحوادث في آنٍ واحد، طريقٌ ممهد ولكنه محفوفٌ بالمخاطر، يملؤه هدير الشاحنات العملاقة وسرعة السيارات التي تتجاوز الحدّ المسموح.
كنت أستودع الله نفسي كل يوم، وأذكره في طريقي، وأعلم أن النجاة لا تكون بالحذر فقط، بل برحمة الله التي تحفظ المسافرين بين الغفلة والذكر.
وفي صباحٍ بدا كغيره، حدث ما يشبه المعجزة.
في منتصف الطريق، باغتني دوارٌ شديد، كأن الأرض تميد بي، والطريق يتماوج في عينيّ.
تسارعت أنفاسي، واشتد الصداع، وغلبني الغثيان حتى كدت أفقد السيطرة على المقود.
تذكرت حينها نصيحة زوجتي:
"إن شعرت بالخطر، خذ جانب الطريق الأيسر وتوقف فورًا.
وبصعوبة بالغة، فعلت ذلك. توقفت وأنا بين شاحنتين عملاقتين تهدران بسرعةٍ تفوق المئة وثلاثين كيلومترًا في الساعة.
كانت لحظةً بين الحياة والموت، بين أن أكون أو لا أكون.
حينها تذكرت الشهيد
"الموت مخلوق ضعيف، يقتات على مائدة الحياة الضخمة."
وتمتمت بالآية الكريمة:
«قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»
فسألت نفسي:
هل أعطيت كما أُعطيت؟
هل كنتُ أكثر قربًا من الله، أكثر عطاءً، أقل غفلة؟
أم مرّت أيامي كما تمر السيارات على هذا الطريق، بلا توقفٍ للتفكير، ولا تأملٍ في الغاية؟
عندها أيقنت أن كل ما نملكه زائل، وأن الأمان الحقيقي لا يُستمد من المهارة ولا من الحذر، بل من اللطف الإلهي الذي يُنجي من يشاء، متى شاء، وكيف شاء.
ذلك اليوم لم يكن مجرد تعبٍ عابر، بل رسالة من الله، تذكيرٌ بأننا جميعًا على موعدٍ مع النهاية، وأن حياتنا ليست بعدد أنفاسنا، بل بما نحمله من إيمانٍ وصِدقٍ ونيةٍ خالصة.
وكم هو جميل أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة وهو ما زال قادرًا على أن يُصلح ما تبقّى، وأن يزرع في طريقه ذكرًا وصلاةً وعملًا طيبًا قبل أن يُغادر بلا وداع.
🌿 رسالة :
لا تنتظر لحظة الخطر لتذكر الله، ولا تدع الألم هو من يوقظك للحقيقة.
تعلّم أن تكون قريبًا منه في الرخاء كما في الشدة، فكم من نجاةٍ وهبها الله لمن لجأ إليه بصدقٍ قبل أن تُغلق عليه الأبواب.
إن الحياة قصيرة، لكن رحمة الله أطول من الطريق، وأوسع من الخوف، وأقرب مما نظن
يتبع في الصفحة القادمة
على مرسال
(من الذاكرة، تجربة واقعية في طريق الحياة)