- · 42 friends
-
ع
- · Advanced Member
وداعـًا عبد الجليـل…
وهكذا تُطوى صفحة صديق عزيز آخر ..يمضى ولايسعفنا الزمــن للقائه وتوديعه.
عبدالجليل عبدالحفيظ البرعصي (عبدالجليل خالد) عرفته في سبعينيات القرن الماضي عبر شاشة التلفزيون في برنامجه المرئي "ألــــوان"، فتدور عجلة الزمن لنصبح في منتصف ثمانينات القرن زملاء دراسة في كلية القـانون، ثم صديقين مقربين حتى غادرت البلاد في بداية التسعينيات. علاقتنا الوطيدة تجاوزت حدود الدراسة، بل كانت علاقة وطيدة وشخصية، وكان أخا كبيرا بكل ما تعني الكلمة، فرأيت من باب الوفاء له أن أسرد إدراجًا عن الجانب الإنساني والشخصي الذي لا يعرفه الكثيرون عن عبدالجليل.
كان لقاؤنا الأول في ردهات كلية الآداب بجامعة قاريونس، وحينها وقفنا ضمن مجموعة طلبة منتسبين من حملة الثانوية الأدبية نحمل ملفاتنا في أيادينا بعد أن تم رفضنا من كلية القانون للتسجيل كمنتسبين فاضطررنا للتسجيل كمنتسبين في كلية الفلسفة لمدة شهور، لنقبل بعدهـا وبإصرار منه في كلية القانون كنظاميين وبعدها كمنتسبين.
السنوات الثلاث الأخيرة من دراسة القانون كانت من أروع سنيني الأخيرة في بنغازي. قضيناها معًا ندرس في بيت عبدالجليل قرب مستشفى الجلاء برفقة إخـوة أعزاء وأذكر منهـم جمعة بالة، فرج بن هلال، فرج الشويهدي، على الهلالي، وفتحي الفيتوري، وبشير المسلاتي. كانت صالة بيته منارة علمية تعج بالكتب والوسائل الإيضاحية والملازم والمذكرات الدراسية، والحوارات القانونية والأدبية الناضجة. وتكللت تلك السنوات بنجاحنا جميعًا وقد نال معظمهم درجة الماجستير أو الدكتوراه في القانون باستثنائي.
ساعات طوال كنا نقضيها في الدراسة والاستعداد للامتحانات ويتخللها أحيانًا نقاشات جانبية ومزاح. وكان رحمه الله يحب المزاح، فكنا عندما ننتهي من صلاة المغرب أو العشاء جماعة يرفع يديه ويدعو بصوت عال ليسمعه الجميع ويقول "اللهم انصرنا على "إبراهيم الغالي" (وهو أستاذ القانون الدستوري)، أو على "أحمد الجهاني" وهو أستاذ الإجراءات الجنائية..وكان بالطبع مازحــًا.
كان -رحمه الله- محافظًا وملتزمًا وعصاميًا، عزيز النفس، كما كان مرحًا ولبقًا كريماً بشوشاً، ويحب مساعدة الجميع. عبدالجليل كان رمزاً للإصرار والمثابرة، فكان ـ رغم كبر سنه نسبيًا آنذاك ـ لا يمل ولا يكل من الاطلاع والكتابة والغوص في ثنايا النص القانوني دراسة وبحثًا وتحليلًا، وتكللت جهوده بدرجة الدكتوراه في القانون الدولي.
ارتبط عبدالجليل بسيدة فاضلة من مصر من أسرة عريقة راقية ذات توجه ديني، وانعكس ذلك على بيته الذي كان مطعماً بالسور القرآنية والتحف الإسلامية، وخلوه من التماثيل والصور والمعازف، ونجحا في تكوين أسرة مثالية راقية، فكان أولاده قمة في الأدب والأخلاق والتهذيب، حتى كانت أمنيتي أن يكون لي أبناء مثلهم. ابنه الأكبر “أمير” تخرج من العلوم السياسية على ما أذكر، أما الأوسط، خالد (وهو أكثرهم شبهاً بوالده) فتخرج من كلية الطب، أما الأصغر طارق فصار مهندسًا كهربائيا وقد تواصل معي مؤخرًا.
مازالت أتذكر جيدًا يوم الحادي عشر من سبتمبر 1992، وفي وليمة زفافي، حين جلس عبدالجليل والأستاذ كمال الوحيشي(رحمة الله عليه) وأستاذي يوسف صدقي والأستاذ عبدالسلام بوسنينة (أطال الله في عمريهما) وتبادلوا حديثًا هادفًا شيقا عن بنغازي في السبعينيات مزج بين الأدب والتاريخ والرياضة والثقافة، وكانت من أمتع الأمسيات التي نقشت في الذاكرة قُبيل مغادرتي بنغــازي.
أتذكر في زيارة لي لليبيا في أواخر التسعينيات كان يحدثني عن أحداث 1995 وحينها قال لي: "يا فتوحة الشباب هضوماكان مايطيحوش معمر اليوم حيطيحوه بكرة... اصبر عليهم شوية" وكأنه كان يتكهن بإرهاصات ثــورة فبراير المجيدة…
آخر مرة تقابلنا كانت عام 2009 حين زارني في البيت وكانت بكل أسف زيارة قصيرة، وللأسف لم تمنحنا السنون ومشاغلهافرصة التواصل بعدها عدا سلامات عبر الأصدقاء، حتى صعقنا اليوم بخبر رحيله المر.
رحل عبد الجليل ولكنه ترك رجالاً يحملون اسمه ويصونون إرثه. رحل عبد الجليل اللبق المرح الطيب البشوش. رحل عبدالجليل للقاء ربه، فنــــام القلـــم وصمـــت الوتــــر.
اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وأجمعه مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقـــا، وإنا لله وإنا إليه راجعــــــــون.
(تم نشر التدوينة يوم الأصلية يوم 26 يناير 2019)
-
سيرة مضيئة راءيعة، هولاء هم ابناء ليبيا المخلصين، كان ينبغي ان تكتب سير هولاء الابطال لتتعلم الاجيال القادمة الجمع بين التضحية والعطاء،اللهم اغفر له وارحمه واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة يارب العالمين
-
رحم الله الأستاذ الفاضل عبدالجليل خالد وأسكنه فسيح جناته، كان رجلا خلوقا محبوبا عرفناه من خلال برنامجه الشهير "ألوان"، شكرا دكتور فتحي على كتابتك لهذه السطور مسلطا الضوء على جوانب مضيئة مخفية على كثير من الناس - أنا أحدهم - من حياة الرجل، وهذا من باب الوفاء له. جزاك الله خيرا ،، وعظم الله أجركم،، وألحقنا الله جميعا بالصالحين.
-
- · عبدالله مفتاح
- ·
اللهم تغمده برحمتك فعلا كان شخصية محبوبة من اغلب الليبيين وجزاك الله خير افتوحة علي هذه النبذة من حياته